الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ} (71)

{ وامرأته قائمة } : أي : ( من وراء الستر ) {[32779]} . وفي قراءة ابن مسعود : ( وامرأته قائمة ، وهو قاعد {[32780]} .

وقيل : إنها كانت {[32781]} قائمة ، تخدم الرسل ، وإبراهيم جالس مع الرسل {[32782]} .

وقوله : { فضحكت } قيل {[32783]} : إنها {[32784]} ضحكت من أمرها أنها تخدم ، وضيافها لا يمسون الطعام .

قال السدي : قال إبراهيم للرسل ، صلوات الله عليهم {[32785]} : ألا تأكلون ؟ قالوا : يا إبراهيم ! إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن . قال لهم : فإن لهذا ثمنا ! قالوا : وما هو ؟ قال : تذكرون {[32786]} اسم الله على أوله ، وتحمدونه على آخره . فنظر جبريل إلى ميكائيل ، عليهما السلام ، فقال : حق {[32787]} لهذا أن يتخذه {[32788]} ربه خليلا . فلما لم يأكلوا ، قالت سارة ، امرأة إبراهيم : عجبا لأضيافنا {[32789]} هؤلاء ، إنا لنخدمهم بأنفسنا ، تكرمة لهم ، وهم لا يأكلون ! {[32790]} ، وضحكت تعجبا .

وقيل : ضحكت من أن قوم لوط في غفلة ، وقد جاءت رسل {[32791]} الله عز وجل ، بهلاكهم {[32792]} . فكان ضحكها تعجبا لغفلة {[32793]} قوم لوط ، عما أتاهم من العذاب ، وهو {[32794]} قول قتادة {[32795]} .

وقيل : إنها ضحكت لما رأته من زوجها إبراهيم عليه السلام {[32796]} ، من الروع تعجبا ، وهو قول الكلبي {[32797]} .

وقال {[32798]} وهب بن منبه {[32799]} : ضحكت لما بشرت بإسحاق {[32800]} ، وهي كبيرة ، فضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها . ويكون في الكلام تقديم وتأخير ، وهو بعيد مع الفاء ، ولا يحسن الوقف على هذا المعنى ، على ( ضحكت ) {[32801]} .

وقال مجاهد : معنى {[32802]} : ضحكت {[32803]} : ساغت ، وكانت ابنة {[32804]} تسعين سنة {[32805]} . وقيل : بل زادت على التسعين ، وكان إبراهيم عليه السلام ابن مائة سنة {[32806]} .

وذكر بعض البصريين أن بعض أهل الحجاز حكى عن العرب : ( ضحكت المرأة ) بمعنى : حاضت {[32807]} .

وقال الضحاك : الضحك : الحيض ، ويقال : ضحكت النخلة : إذا أخرجت الطلع ، والبشر {[32808]} . وقيل : إنها إنما ضحكت ، لأن الملائكة أحيوا العجل بإذن الله عز وجل {[32809]} {[32810]} ، فضحكت تعجبا . { فبشرناها بإسحاق } . وقيل : إنها إنما ضحكت ، لأنها قالت لإبراهيم قبل مجيء الرسل : أحسب أن قوم لوط سينزل الله بهم {[32811]} عذابا . فضم لوطا إليهم ، فلما أتت الرسل بما قالت سرت به ، فضحكت {[32812]} .

وقيل : إنها إنما ضحكت من إبراهيم {[32813]} ، لأنه كان صلى الله عليه وسلم يقوم بمائة {[32814]} رجل ، فتعجبت {[32815]} من خوفه من نفر {[32816]} .

وقيل : ضحكت سرورا ، حيث قالوا : لا تخف ، لقد كانت خافت منهم {[32817]} .

وقوله : { فبشرناها بإسحاق {[32818]} ومن وراء إسحاق يعقوب }[ 71 ] : أي : من رفع ( يعقوب ) {[32819]} فعلى الابتداء {[32820]} ، { ومن وراء إسحاق } : الخبر ، والجملة في موضع الحال . أي : بشرناها بإسحاق ، مقابلا {[32821]} له يعقوب {[32822]} . وهو داخل في البشارة ، فلا يوقف {[32823]} على إسحاق على هذه المعنى {[32824]} . ويجوز أن يرتفع بفعل دل {[32825]} عليه الكلام ، / والمعنى : ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب ، فلا يكون داخلا في البشارة {[32826]} ، فيجوز الوقف على إسحاق {[32827]} .

وقيل : المعنى : وثبت {[32828]} لهما من وراء إسحاق يعقوب .

ومن قرأ بالفتح {[32829]} ، فهو في {[32830]} موضع خفض {[32831]} عند الكسائي ، والأخفش ، وأبي حاتم {[32832]} ، على العطف على ( إسحاق ) : يجيزون التفريق بين المجرور ، وبين ما يشركه ، فيفرقون بين حرف العطف والمعطوف {[32833]} .

ومذهب سيبويه والفراء أن يعقوب في موضع نصب {[32834]} ، على معنى : ومن وراء إسحاق وهبنا {[32835]} له يعقوب . ولا يجيزون التفريق بين المجرور ، وحرف {[32836]} العطف {[32837]} . فتقف {[32838]} على إسحاق على هذا التقدير ، ولا تقف عليه إذا قدرت العطف {[32839]} .

وقيل : معنى { ومن وراء إسحاق } : أي : ومن {[32840]} ولد إسحاق ، لأن ولد الولد : الوراء ، وهو قول ابن عباس ، والشعبي {[32841]} ، وجماعة معهما .

وفي هذا {[32842]} دليل على أن : الذبيح إسماعيل ، لأنها {[32843]} بشرت بإسحاق {[32844]} ، و {[32845]}أنها تعيش حتى يولد له ، فغير جائز أن يعلم إبراهيم أنه يعيش حتى يولد له ، ثم يؤمر بذبحه ، قبل أن يولد له . فلا يجوز أن يؤمر بذبح من أخبر أنه يعيش إلى وقت بعد ، وقت الذبح بسنين {[32846]} .


[32779]:وهو قول الطبري في: جامع البيان 15/389.
[32780]:انظر هذه القراءة في: معاني الفراء 2/22، وعند الطبري، وابن عطية: (وهو جالس)، انظر: جامع البيان 15/390، والمحرر 9/185.
[32781]:ط: مطموس.
[32782]:انظر هذا القول في: معاني الفراء 2/22، وجامع البيان 15/389.
[32783]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/389.
[32784]:ط: مطموس.
[32785]:ساقط من ق.
[32786]:ق: تدركون.
[32787]:في النسختين معا حقا. ولعل الصواب ما أثبت.
[32788]:ق: يتخذوه.
[32789]:ق: لا أضيافنا.
[32790]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/390.
[32791]:ق: رسول.
[32792]:انظر: المصدر السابق.
[32793]:ق: بغفلة.
[32794]:ق: وهي.
[32795]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/390.
[32796]:ط: صم.
[32797]:انظر هذا القول في: المصدر السابق. والكلبي هو محمد بن السائب، أبو النضر، الكلبي الكوفي، عالم بالتفسير، والأنساب، وأخبار العرب، روى عن: الشعبي وسواه من التابعين، أما في الحديث، فإنه يروي المناكير، قال عنه الطبري في جامع البيان 1/66: (وليست الرواية عنه من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله) وقال الزمخشري في الفائق في غريب الحديث 2/110 كان يزوف في الحديث)، والتزويف: الكذب. وانظر تفصيل الكلام في: وفيات الأعيان 4/309، والضعفاء والمتروكين للنسائي 211، والفصل 2/235، وما بعدها، وطبقات المفسرين 2/144.
[32798]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/391.
[32799]:هو أبو عبد الله بن منبه، تابعي، من كبار المفسرين، حدث عن جابر، وابن عباس، وروى عنه: ابن دينار (ت110 هـ) انظر: الحلية 4/23 ووفيات الأعيان 6/35.
[32800]:ط: صم.
[32801]:وهو قول النحاس في: القطع 392.
[32802]:ساقط من ط.
[32803]:ط: فضحكت.
[32804]:ق: بنت.
[32805]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/392 وعزاه في غريب القرآن 205 إلى عكرمة، وقال الفراء في معانيه 2/22: حاضت لم نسمعه من ثقة.
[32806]:وقول قول مجاهد في: جامع البيان 15/392.
[32807]:انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 15/392، وفي القطع 392: فضحكت فحاضت، غير موجود في كلام العرب، ولا عن أحد من يوثق به من أهل التفسير.
[32808]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/393، وفي اللسان: بسر البسر: الغض من كل شيء، والتمر قبل أن يرطب لغضاضته.
[32809]:ساقط من ق.
[32810]:انظر هذا القول في: إعراب النحاس 2/293.
[32811]:ق: عليهم.
[32812]:انظر هذا التوجيه في: معاني الزجاج 3/61-36.
[32813]:ط: صم.
[32814]:ق: بمالت
[32815]:ق: فعجبت.
[32816]:انظر هذا القول في: القطع 392.
[32817]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/392.
[32818]:ساقط من ط.
[32819]:وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو، والكسائي، انظر: السبعة 338 والمبسوط 241، والحجة 347، وإعراب مكي 1/409، والتيسير 125، والمحرر 9/187، والنشر 2/290.
[32820]:وهو أبو حاتم، والأخفش اللذان وقفا وقفا تاما على (إسحاق) انظر: القطع 392، والمكتفى 318.
[32821]:ط: مقالا. فقالا.
[32822]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/293.
[32823]:ط: توقف ق: يقف، ولعل الصواب ما أثبت.
[32824]:انظر هذا التوجيه في: القطع 392، والمكتفى 318.
[32825]:ساقط من ق.
[32826]:انظر هذا المعنى في: إعراب النحاس 2/293، والمحرر 9/187.
[32827]:وذلك لمن قرأ (يعقوب) بالرفع، وهو اختيار الأخفش، وأبي حاتم. انظر: معاني الأخفش 2/578، والقطع: 392.
[32828]:ط: وتبه لها.
[32829]:وهي قراءة ابن عامر، وحمزة، وحفص عن عاصم، انظر: السبعة 338 والمبسوط 241، والحجة 347، والكشف 1/524، والتيسير 125، والمحرر 9/187، والنشر 2/290.
[32830]:ساقط من ق.
[32831]:ق: يخفض.
[32832]:انظر هذا التوجيه في: إعراب النحاس 2/293.
[32833]:انظر ما نقله ابن عطية عن المؤلف في: المحرر 9/187.
[32834]:ط: مطموس.
[32835]:ق: ووهبنا.
[32836]:ق: وحروف.
[32837]:انظر هذا التوجيه في: معاني الفراء 2/22، وإعراب النحاس 2/293.
[32838]:ق: فيقف.
[32839]:انظر هذا التوجيه في: القطع 393.
[32840]:ق: من.
[32841]:انظر هذين القولين في: جامع البيان 15/395.
[32842]:ق: وفيها.
[32843]:ق: أنها.
[32844]:ق: في إسحاق.
[32845]:لعله ساقط من النسختين، وأضفته، ليستقيم السياق.
[32846]:انظر: الهامش السابع من الصفحة 3378.