فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ} (71)

وجملة { وامرأته قَائِمَة فَضَحِكَتْ } في محل نصب على الحال ، قيل : كانت قائمة عند تحاورهم وراء الستر . وقيل : كانت قائمة تخدم الملائكة وهو جالس . والضحك هنا هو الضحك المعروف الذي يكون للتعجب أو للسرور كما قاله الجمهور . وقال مجاهد وعكرمة : إنه الحيض ، ومنه قول الشاعر :

وإني لآتي العرس عند طهورها *** وأهجرها يوماً إذا تك ضاحكاً

وقال الآخر :

وضحك الأرانب فوق الصفا *** كمثل دم الخوف يوم اللقا

والعرب تقول ضحكت الأرنب : إذا حاضت . وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت . { فبشرناها بإسحاق } ظاهره أن التبشير كان بعد الضحك . وقال الفراء : فيه تقديم وتأخير . والمعنى : فبشرناها فضحكت سروراً بالولد . وقرأ محمد بن زياد من قراء مكة فضحكت بفتح الحاء ، وأنكره المهدوي { وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ } قرأ حمزة ، وابن عامر ، وحفص بنصب { يعقوب } على أنه مفعول فعل دل عليه { فبشرناها } ، كأنه قال : ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب . وأجاز الكسائي ، والأخفش ، وأبو حاتم أن يكون يعقوب في موضع جرّ . وقال الفراء : لا يجوز الجرّ إلا بإعادة حرفه . قال سيبويه : ولو قلت : مررت بزيد أوّل من أمس ، وأمس عمر ، كان قبيحاً خبيثاً ، لأنك فرقت بين المجرور ، وما يشركه ، كما يفرق بين الجار والمجرور . وقرأ الباقون برفع يعقوب على أنه مبتدأ وخبره الظرف الذي قبله . وقيل : الرفع بتقدير فعل محذوف ، أي ويحدث لها ، أو وثبت لها . وقد وقع التبشير هنا لها ، ووقع لإبراهيم في قوله تعالى : { فبشرناه بغلام حَلِيمٍ } { وَبَشَّرُوهُ بغلام عَلَيمٍ } ، لأن كل واحد منهما مستحق للبشارة به لكونه منهما .

/خ76