فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱمۡرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٞ فَضَحِكَتۡ فَبَشَّرۡنَٰهَا بِإِسۡحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسۡحَٰقَ يَعۡقُوبَ} (71)

{ وامرأته } أي سارة زوجة إبراهيم وهي ابنة هارون ابن ناحورا وهي ابنة عم إبراهيم { قائمة } قيل كانت قائمة عند تحاورهم وراء الستر تسمع كلامهم وقيل كانت واقفة قائمة تخدم الملائكة وهو جالس والجملة مستأنفة أو حالية { فضحكت } الضحك هنا هو الضحك المعروف الذي يكون للتعجب أو للسرور كما قاله الجمهور وأصل الضحك انبساط الوجه من سرور يحصل للنفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك ويستعمل في السرور المجرد وفي التعجب المجرد أيضا وعليه أكثر المفسرين .

وقال مجاهد وعكرمة أنه الحيض : والعرب تقول ضحكت الأرنب إذا حاضت وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت قال الراغب : وقول من قال حاضت ليس تفسيرا لقوله فضحكت كما تصوره بعض المفسرين وإنما ذكر ذلك تنصيصا لحالها فإن ذلك أمارة لما بشرت به فحيضها في الوقت ليعلم أن حملها ليس بمنكر لأن المرأة ما دامت تحيض فإنها تحمل .

قال الفراء : ضحكت بمعنى حاضت لم نسمعه من ثقة ، وقال الزجاج : ليس بشيء ضحكت بمعنى حاضت ، وقال الأنباري : قد أنكر الفراء وأبو عبيدة أن يكون ضحكت بمعنى حاضت وقال في المحكم : ضحكت المرأة حاضت والأول أولى ولا مصير إلى المجاز إلا عند تعذر الحقيقة وظاهر النص أنها ضحكت .

قال قتادة : ضحكت تعجبا مما فيه قوم لوط من الغفلة ومما أتاهم من العذاب وقال السدي : ضحكت تعجبا من عدم أكلهم وقال مقاتل والكلبي : ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة وهو فيما بين خدمه وحشمه وخواصه . وقيل ضحكت من زوال الخوف عنها وعن إبراهيم حين قالوا لا تخف . وقيل ضحكت سرورا من البشارة .

وقال وهب : ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها . وقيل غير ذلك مما ليس في ذكره كثير فائدة والله أعلم مما ضحكت . وقال ابن عباس : حاضت وهي بنت ثمان وتسعين سنة . وعن مجاهد قال : وكان إبراهيم ابن مائة سنة .

{ فبشرناها بإسحاق } ظاهره أن التبشير كان بعد الضحك وقال الفراء : فيه تقديم وتأخير ، والمعنى فبشرناها فضحكت سرورا بالولد وولد إسحاق بعد البشارة بسنة وكانت ولادته بعد إسماعيل بأربعة عشر سنة { ومن وراء } أي وهبنا لها من وراء { إسحاق يعقوب } وقرئ بجر يعقوب ومنعه الفراء وقرئ بالرفع على الابتداء وخبره الظرف الذي قبله وبالنصب وهما سبعيتان .

وقد وقع التبشير هنا لها ووقع لإبراهيم في قوله تعالى { وبشرناه بغلام حليم } وبشروه بغلام عليم لأن كل واحد منهما مستحق للبشارة به لكونه منهما ، قال ابن عباس : هو ولد الولد أي فبشرت بأنها تعيش حتى ترى ولد الولد وقد رأته .