فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ} (193)

قوله : { ربَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي للإيمان } المنادي عند أكثر المفسرين هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : هو القرآن ، وأوقع السماع على المنادي مع كون المسموع هو النداء ؛ لأنه قد وصف المنادي بما يسمع ، وهو قوله : { ينادي للإيمان أن آمنوا } . وقال أبو علي الفارسي : إن «ينادي » هو المفعول الثاني وذكر { ينادي } مع أنه قد فهم من قوله : { مُنَادِياً } لقصد التأكيد ، والتفخيم لشأن هذا المنادى به ، واللام في قوله : { للإيمان } بمعنى إلى ، وقيل : إن ينادي يتعدّى باللام ، وبإلى ، يقال : ينادي لكذا ، وينادي إلى كذا ، وقيل : اللام للعلة ، أي : لأجل الإيمان . قوله : { أن آمنوا } هي : إما تفسيرية ، أو مصدرية ، وأصلها بأن آمنوا ، فحذف حرف الجرّ . قوله : { فَآمَنَّا } أي : امتثلنا ما يأمر به هذا المنادي من الإيمان فآمنا ، وتكرير النداء في قوله : { رَبَّنَا } لإظهار التضرع ، والخضوع ، قيل المراد : بالذنوب هنا الكبائر ، وبالسيئات الصغائر . والظاهر عدم اختصاص أحد اللفظين بأحد الأمرين ، والآخر بالآخر ، بل يكون المعنى في الذنوب ، والسيئات واحداً ، والتكرير للمبالغة ، والتأكيد ، كما أن معنى الغفر ، والكفر : الستر . والأبرار جمع بارّ أو برّ ، وأصله من الاتساع ، فكأن البار متسع في طاعة الله ، ومتسعة له رحمته ، قيل : هم الأنبياء ، ومعنى اللفظ أوسع من ذلك .

/خ194