غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ} (193)

190

وعورض بالآيات الدالة على العفو { ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي } تقول : سمعت رجلاً يتكلم بكذا فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع اكتفاء بما وصفته به ، أو جعلته حالاً عنه . والمنادي عند الأكثرين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم { ادع إلى سبيل ربك }[ النحل :125 ]{ أدعوا إلى الله }[ يوسف :108 ]{ وداعياً إلى الله }[ الأحزاب :46 ] وقيل : القرآن كما نسب إليه الهداية في قوله :{ إن هذا القرآن يهدي }[ الإسراء :9 ] كأنه يدعو إلى نفسه وينادي بما فيه من الدلائل كما قيل في جهنم { تدعو من أدبر وتولى }[ المعارج :17 ] والفصحاء يصفون الدهر بأنه ينادي ويعظ لدلالة تصاريفه قال :

يا واضع الميت في قبره *** خاطبك الدهر فلم تسمع

ويقال : ينادي إلى كذا ولكذا ودعاه إليه وله وهداه للطريق وإليه فيقام كل من اللام و " إلى " مقام الأخرى نظراً إلى وقوع معنى الانتهاء والاختصاص معاً .

وقال أبو عبيدة : هذا على التقديم والتأخير أي سمعنا منادياً للإيمان ينادي كما يقال : جاء مناد للأمير فنادى بكذا . وقيل : معناه لأجل الإيمان . ولهذا الغرض فسر بقوله : { أن آمنوا } و " أن " مفسرة أو مخففة معناه أي آمنوا أو بأن آمنوا . والفائدة في الجمع بين المنادى وينادي للإيمان هي فائدة الإطلاق ثم التقييد والإجمال ثم التفصيل من رفع شأن المطلق والمجمل ، وكونه حينئذٍ أوقع في النفس وأعز . { فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا } أصل الغفر والتكفير كلاهما الستر والتغطية . وأما الذنوب والسيئات فقيل : هما واحد والتكرار للتأكيد والإلحاح ، إن الله يحب الملحين في الدعاء . وقيل : الأوّل الكبائر والثاني الصغائر . وقيل : الأوّل أريد به ما تقدم منهم ، والثاني المستأنف . وقيل : الأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية وذنباً ، والثاني ما أتى به مع الجهل بكونه ذنباً { وتوفنا مع الأبرار } أي معدودين منهم ومن أتباعهم أو مشاركين لهم في الثواب أو على مثل أعمالهم ودرجاتهم كقول الرجل : أنا مع الشافعي في هذه المسألة أي مساوٍ له في ذلك الاعتقاد . احتجت الأشاعرة بالآية على أن العفو غير مشروط بالتوبة لأنهم طلبوا المغفرة بدون ذكر التوبة بل بدون التوبة بدلالة فاء التعقيب في { فاغفر } بعد قولهم : { آمنا } . ثم إنه تعالى أجابهم إلى ذلك بقوله : { فاستجاب لهم } ويعلم منه ثبوت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكبائر بالطريق الأولى .

/خ200