الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَطَمَسۡنَا عَلَىٰٓ أَعۡيُنِهِمۡ فَٱسۡتَبَقُواْ ٱلصِّرَٰطَ فَأَنَّىٰ يُبۡصِرُونَ} (66)

قوله تعالى : " ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون " حكى الكسائي : طمَس يطمِس ويطمُس . والمطموس والطميس عند أهل اللغة الأعمى الذي ليس في عينيه شق . قال ابن عباس : المعنى لأعميناهم عن الهدى ، فلا يهتدون أبدا إلى طريق الحق . وقال الحسن والسدي : المعنى لتركناهم عميا يترددون . فالمعنى لأعميناهم فلا يبصرون طريقا إلى تصرفهم في منازلهم ولا غيرها . وهذا اختيار الطبري . وقوله " فاستبقوا الصراط " أي استبقوا الطريق ليجوزوا " فأنى يبصرون " أي فمن أين يبصرون . وقال عطاء ومقاتل وقتادة وروي عن ابن عباس : ولو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم ، وأعميناهم عن غيهم ، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى ، فاهتدوا وأبصروا رشدهم ، وتبادروا إلى طريق الآخرة . ثم قال : " فأنى يبصرون " ولم نفعل ذلك بهم ؛ أي فكيف يهتدون وعين الهدى مطموسة ، على الضلال باقية . وقد روي عن عبد الله بن سلام في تأويل هذه الآية غير ما تقدم ، وتأولها على أنها في يوم القيامة . وقال : إذا كان يوم القيامة ومد الصراط . نادى مناد ليقم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، فيقومون برهم وفاجرهم يتبعونه ليجوزوا الصراط ، فإذا صاروا عليه طمس الله أعين فجارهم ، فاستبقوا الصراط فمن أين يبصرونه حتى يجاوزوه . ثم ينادي مناد ليقم عيسى وأمته ، فيقوم فيتبعونه برهم وفاجرهم فيكون سبيلهم تلك السبيل ، وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام . ذكره النحاس وقد كتبناه في التذكرة بمعناه حسب ما ذكره ابن المبارك في رقائقه . وذكره القشيري . وقال ابن عباس رضي الله عنه : أخذ الأسود بن الأسود حجرا ومعه جماعة من بني مخزوم ليطرحه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فطمس الله على بصره ، وألصق الحجر بيده ، فما أبصره ولا اهتدى ، ونزلت الآية فيه . والمطموس هو الذي لا يكون بين جفنيه شق ، مأخوذ من طمس الريح الأثر . قاله الأخفش والقتبي .