الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قُلۡ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ} (64)

قوله تعالى : " قل أفغير الله تأمروني أعبد " ذلك حين دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام وقالوا هو دين آبائك . و " غير " نصب ب " أعبد " على تقدير أعبد غير الله فيما تأمرونني . ويجوز أن ينتصب ب " تأمروني " على حذف حرف الجر ، التقدير : أتأمروني بغير الله أن أعبده ، لأن أن مقدرة وأن والفعل مصدر ، وهي بدل من غير ، التقدير : أتأمروني بعبادة غير الله . وقرأ نافع : " تأمروني " بنون واحدة مخففة وفتح الياء . وقرأ ابن عامر : " تأمرونني " بنونين مخففتين على الأصل . الباقون بنون واحدة مشددة على الإدغام ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأنها وقعت في مصحف عثمان بنون واحدة . وقرأ نافع على حذف النون الثانية وإنما كانت المحذوفة الثانية ؛ لأن التكرير والتثقيل يقع بها ، وأيضا حذف الأولى لا يجوز ؛ لأنها دلالة الرفع . وقد مضى في " الأنعام " {[13333]} بيانه عند قوله تعالى : " أتحاجوني " . " أعبد " أي أن أعبد فلما حذف " أن " رفع ، قاله الكسائي . ومنه قول الشاعر :

ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِيُّ احْضُرَ الوَغَى{[13334]}

والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ " أعبد " بالنصب .


[13333]:راجع ج 7 ص 29 طبعة أولى أو ثانية.
[13334]:البيت من معلقة طرفة وتمامه: * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي*