البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قُلۡ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ} (64)

روي أنه قال للرسول عليه السلام : المشركون استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك ، وغير منصوب بأعبد .

قال الأخفش : تأمروني ملغاة ، وعنه أيضاً : أفغير نصب بتأمروني لا بأعبد ، لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها ، إذ الموصول منه حذف فرفع ، كما في قوله :

ألا أيها ذا الزاجري احضر الوغى . . .

والصلة مع الموصول في موضع النصب بدلاً منه ، أي أفغير الله تأمرونني عبادته ؟ والمعنى : أتأمرونني بعبادة غير الله ؟ وقال الزمخشري : أو ينصب بما يدل عليه جملة قوله : { تأمروني أعبد } ، لأنه في معنى تعبدون وتقولون لي : اعبده ، وأفغير الله تقولون لي اعبد ، فكذلك أفغير الله تقولون لي أن اعبده ، وأفغير الله تأمروني أن أعبد .

والدليل على صحة هذا الوجه قراءات من قرأ أعبد بالنصب ، يعني : بنصب الدال بإضمار أن .

وقرأ الجمهور : تأمروني ، بإدغام النون في نون الوقاية وسكون الياء ؛ وفتحها ابن كثير .

وقرأ ابن عامر : تأمرنني ، بنونين على الأصل ؛ ونافع : تأمرني ، بنون واحدة مكسورة وفتح الياء .

قال ابن عطية : وهذا على حذف النون الواحدة ، وهي الموطئة لياء المتكلم ، ولا يجوز حذف النون الأولى ، وهو لحن ، لأنها علامة رفع الفعل . انتهى .

وفي المسألة خلاف ، منهم من يقول : المحذوفة نون الرفع ، ومنهم من يقول : نون الوقاية ، وليس بلحن ، لأن التركيب متفق عليه ، والخلاف جرى في أيهما حذف ، ونختار أنها نون الرفع .

ولما كان الأمر بعبادة غير الله لا يصدر إلا من غبي جاهل ، نادهم بالوصف المقتضي ذلك فقال : { أيها الجاهلون } .