الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : " الذين يبخلون " " الذين " في موضع نصب على البدل من " من " في قوله : " من كان " ولا يكون صفة ؛ لأن " من " و " ما " لا يوصفان ولا يوصف بهما . ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلا من المضمر الذي في فخور . ويجوز أن يكون في موضع رفع فيعطف عليه{[4403]} . ويجوز أن يكون ابتداء والخبر محذوف ، أي الذين يبخلون ، لهم كذا ، أو يكون الخبر " إن الله لا يظلم مثقال ذرة " [ النساء :40 ] . ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني ، فتكون الآية في المؤمنين ، فتجيء الآية على هذا التأويل أن الباخلين منفية عنهم محبة الله ، فأحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمي فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان .

الثانية : قوله تعالى : " يبخلون ويأمرون الناس بالبخل " البخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه . وهو مثل قوله تعالى : " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " [ آل عمران : 180 ] الآية . وقد مضى في " آل عمران " القول في البخل وحقيقته ، والفرق بينه وبين الشح مستوفى{[4404]} . والمراد بهذه الآية في قول ابن عباس وغيره اليهود ، فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله من التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : المراد المنافقون الذي كان إنفاقهم وإيمانهم تقية ، والمعنى إن الله لا يحب كل مختال فخور ، ولا الذين يبخلون ، على ما ذكرنا من إعرابه .

قوله تعالى : " وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا " فصل تعالى توعد المؤمنين الباخلين من توعد الكافرين بأن جعل الأول عدم المحبة والثاني عذابا مهينا .


[4403]:أي فيعطف عليه قوله تعالى: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس} كما في إعراب القرآن للنحاس.
[4404]:راجع ج 4 ص 290.