الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

قوله : ( الذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ) الآية : [ 37 ] .

( الذِينَ ) " بدل مِن " مَن( {[12413]} ) وقيل( {[12414]} ) : هم في موضع رفع بالابتداء ، والخبر .

( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )( {[12415]} ) أي لا يظلم . وقال الأخفش : الذين في موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف دل عليه ما بعده ، وتقديره الذين يبخلون قرناء الشيطان ودل على هذا قوله : ( وَمَنْ يَّكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً )( {[12416]} ) وقد أغفل النحاس في الإعراب هذا القول فلم يذكره( {[12417]} ) وهو في كتاب الأخفش( {[12418]} ) . وقيل( {[12419]} ) : الذين في موضع ( رفع )( {[12420]} ) بدل من الضمير في فخور ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ( {[12421]} ) ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار أعني( {[12422]} ) .

والبخل لغتان( {[12423]} ) ، وفيه [ لغتان ]( {[12424]} ) غير هاتين ، ويقال : البُخُل والبَخْل( {[12425]} ) ، ومعنى الآية : إن الله لا يحب المختال الفخور الذي يبخل بماله ويأمر الناس بالبخل .

وقد روي أن البخل هنا : كتمان أمر محمد عليه السلام ، وعنى به اليهود والنصارى وهم يجدونه مكتوباً في التوراة والإنجيل( {[12426]} ) .

ومعنى ( وَيَكْتُمُونَ مَاءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) هم اليهود كتموا( {[12427]} ) و( مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ )( {[12428]} ) من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما عندهم( {[12429]} ) من علمه .

وقال ابن زيد : هم اليهود بخلوا بما آتاهم الله من الرزق ، وكتموا ما آتاهم من العلم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره( {[12430]} ) .

وقال ابن عباس : كان رجال من أشراف يهود( {[12431]} ) يأتون رجالاً من الأنصار ، ويخالطوهم( {[12432]} ) ، ويستنصحون لهم : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخاف عليكم الفقر في ذهابها ، فأنزل الله عز وجل ( الذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ )( {[12433]} ) أي : يكتمون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأمره وذلك كله في التوراة .

وروي أن فيها : خاتم النبيين ، وسيد العاملين ، وأمته الحمادون ، ويشدون( {[12434]} ) أوساطهم ، ويفترسون جبالهم ، تسيل دموعهم على خدودهم وهم يجأرون( {[12435]} ) إلى الله في فكاك رقابهم .

قوله : ( وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ ) أي للجاحدين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ( عَذَاباً مُّهِيناً ) أي مذلاً .


[12413]:- (أ): أي الذين (د): بدا منه.
[12414]:- انظر: إعراب النحاس 1/416.
[12415]:- النساء آية 40.
[12416]:- النساء آية 38.
[12417]:- يشير مكي إلى كتاب إعراب القرآن للنحاس وهو أحد مصادره.
[12418]:- لم أقف على رأي الأخفش.
[12419]:- انظر: إعراب النحاس 1/416.
[12420]:- ساقط من (ج).
[12421]:- (أ): تكررت كتابة هذه الجملة.
[12422]:- هي وجوه ستة في إعراب "الذين" ذكر النحاس منها ثلاث 1/416، واستقصاها أبو حيان في البحر 2/247.
[12423]:- وهما: (أ) قراءتان البُخْل بضم الباء قراءة ابن كثير، ونافع وعاصم وابن عامر وأبي عمرو. (ب) البَخَل بفتح الباء والخاء قراءة حمزة والكسائي. انظر: السبعة 233.
[12424]:- ساقط من (أ).
[12425]:- وهما قراءتان شاذتان، البُخُل بضم الباء والخاء قراءة عيسى بن عمر والحسن، والبَخْل بفتح الباء وسكون الخاء وهي قراءة الزبير وقتادة وهي لغة بكر بن وائل. انظر: مختصر الشواذ: 26، والكشف 1/369.
[12426]:- انظر: أسباب النزول 87، والدر المنثور 2/539.
[12427]:- (ج): وكتموا.
[12428]:- ساقط من (د).
[12429]:- (أ) (ج): وما ينذرهم من علمه. انظر: جامع البيان 5/85.
[12430]:- انظر: جامع البيان 5/85، والدر المنثور 2/538.
[12431]:- (ج): اليهود.
[12432]:- كذا وصوابه يخالطونهم.
[12433]:- انظر: أسباب النزول 87، ولباب النقول 68.
[12434]:- (ج): يشهدوه.
[12435]:- جأر يجأر: إذا رفع صوته بالدعاء مع تضرع واستغاثة، انظر: مجاز القرآن 1/361، وتفسير الغريب 243، والمفردات 82.