الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

قوله تعالى : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } : فيه سبعةُ أوجه ، أحدها : أن يكون منصوباً بدلاً من " مَنْ " وجُمع حَمْلاً على المعنى . الثاني : أنه نصب على البدل من " مختالاً " وجُمع أيضاً لما تقدم . الثالث : أنه نصب على الذم . الرابع : أنه مبتدأ وفي خبره قولان ، أحدهما : أنه محذوف ، فقدَّره بعضهم : " مُبْغَضُون لدلالة { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ } ، وبعضهم : " معذبون " لقوله : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً } ، وقَدَّره الزمخشري : " أَحِقَّاء بكل مَلامة " ، وقَدَّره أبو البقاء : " أولئك قرناؤهم الشيطان " . والثاني : أن قوله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ } ويكون قوله : { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ } عطفاً على المبتدأ والعائد محذوف ، والتقدير : الذين يبخلون ، والذين يُنْفقون أموالَهم رئاءَ الناس ، إن الله لا يظلمهم مثقال ذرة ، أو مثقال ذرة لهم ، وإليه ذهب الزجاج ، وهذا متكلفٌ جداً لكثرةِ الفواصل ، ولقلق المعنى أيضاً . الخامس : أنه خبر مبتدأ مضمر أي : هم الذين . السادس : أنه بدلٌ من الضمير المستكنِّ في " فخوراً " ، ذكره أبو البقاء ، وهو قلقٌ . السابع : أنه صفةٌ ل " مَنْ " ، كأنه قيل : لا يُحِبُّ المختال الفخورَ البخيلَ .

و " بالبخل " فيه وجهان ، أحدُهما : أنه متعلق ب " يأمرون " فالباءُ للتعدية على حَدِّ : أمرتك بكذا . والثاني : أنها باء الحالية ، والمأمور محذوف ، والتقدير : ويأمرون الناس بشكرهم مع التباسهم بالبخل ، فيكون في المعنى كقول الشاعر :

أجْمَعْتَ أَمْرَيْنِ ضاعَ الحَزْمُ بينهما *** تِيْهَ الملوكِ وأفعالَ المماليكِ

والمُخْتال : التيَّاه الجَهُول ، والمُخْتال اسمُ فاعل من اختال يختال أي : تكبَّر وأُعجب بنفسه ، وألفه عن ياءٍ لقولِهم : الخُيَلاء والمَخْيِلة ، وسُمِع أيضاً : خَالَ الرجلُ يَخال خَوْلاً بالمعنى الأول ، فيكون لهذا المعنى مادتان : خَيَل وخَوَل . والفخر : عَدُّ مناقبِ الإِنسان ومحاسنِه ، وفخور صيغة مبالغة .

وفي البخل أربع لغات : فتح الخاء والباء وبها قرأ حمزة والكسائي ، ويضمهما ، وبها قرأ الحسن وعيسى بن عمر ، وبفتح الباء وسكون الخاء وبها قرأ قتادة وابن الزبير ، وبضم الباء وسكون الخاء وبها قرأ جمهور الناس . والبُّخْل والبَخَل كالحُزْن والحَزَن والعُرْب والعَرَب . و { مِن فَضْلِهِ } يجوز أن يتعلَّق ب " آتاهم " أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " ما " أو مِنَ العائدِ عليها .