في : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } سَبْعَة أوجه :
أحدها : أن يكُون مَنْصُوباً بدلاً مِنْ " مَنْ " ، وجُمِعَ حَمْلاً على المَعْنَى .
الثاني : أنه نَصْب على البَدَل من { مُخْتَالاً } وجُمِعَ أيضاً لما تقَدَّم .
الثالث : أنه نُصِبَ على الذَّمِّ .
قال القرطبِي{[7858]} : ويجوز أن يكُون مَنْصُوباً بإضْمَار " أعْنِي " ، وقالَ : ولا يجوز أن يكون صِفَة ؛ لأن " مَنْ " و " ما " لا يوصفان ولا يُوصَفُ بهما .
الرابع : أنه مُبْتَدأ وفي خَبَره قولان :
أحدُهُما : محذوف فَقَدَّرهُ بعضُهم : " مبغضون " لدلالة { إن الله لا يحب } [ وبعضهم : ]{[7859]} " معذبون " ؛ لقوله : { وأعتدنا للكافرين عذاباً } .
وقدَّره الزمخشري{[7860]} " أحقَّاء بكل مَلاَمَة " ، وقدره أبو البَقَاء : أُولَئِكَ أوْلِيَاؤُهُم{[7861]} الشَّيْطَان .
والثاني : أن قوله : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } ويكون قوله : [ { وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ } ]{[7862]} عطفاً على المُبْتدأ والعَائِد مَحْذُوفٌ ، والتقدير : الذين يَبْخَلُون ، والَّذين يُنْفِقُون أموالهم ، [ رئاء النَّاسِ ]{[7863]} { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة } ، [ أو مثقال ذرة ]{[7864]} لَهُم ، وإليه ذَهَب الزَّجَّاج وهذا متكَلَّف جدًّا ؛ لكثرة الفَواصِل ولقَلَقِ{[7865]} المَعْنَى أيضاً .
الخامس : أنه خبر مُبْتَدأ مُضْمَر ، أي : هم{[7866]} الذين .
السادس : أنه بَدَلٌ من الضَّميرِ المستكن{[7867]} في { فَخُوراً } ذكره أبو البَقَاء{[7868]} ، وهو قلق .
السابع : أنه صِفَة ل " مَنْ " ؛ كأنه قيل : لا يُحِبُّ المختالَ الفَخْور البَخِيل .
فتح الخَاءِ والبَاء مثل الكَرَم ، وبها قرأ حَمْزَةُ والكسائي{[7869]} ، وبِضمِّهَا ذكره المُبرِّد ، وبها قرأ الحَسَنُ وعِيسَى بن عُمَر{[7870]} ، وبفتح البَاءِ وسُكُون الخَاء ، وبها{[7871]} قرأ قتادةُ وابن الزبير ، وبضم الباء وسكون الخاء ، وبها قرأ الجمهور{[7872]} . والبُخْلُ والبَخَلُ ؛ كالحُزْنِ والحَزَن ، والعُرْبِ والعَرَبِ .
قوله : { بِالْبُخْلِ } فيه وجْهَان :
أحدهما : أنه مُتَعلِّق ب " يَأمُرُونَ " ، فالبَاء للتَّعْدِية على حَدّ أمرتك بِكَذَا{[7873]} .
والثَّاني : أنها باء الحاليّة والمأمور مَحْذُوف ، والتَّقْدير : ويأمرون النَّاسَ بشكرهم مع التباسِهِم{[7874]} بالبُخْل ، فيكون في المعنَى ؛ لقول الشَّاعر : [ البسيط ]
أجْمَعْتَ أمْرَيْنِ ضَاعَ الحَزْمُ بَيْنَهُمَا *** تِيهَ المُلُوكِ وأفْعَالَ المَمَالِيكِ{[7875]}
قال الواحدي{[7876]} : البُخْلُ في كلامِ العَرَب عبارة عن مَنْع الإحْسَان ، وفي الشَّرِيعَةِ عبارة عن مَنْعِ الوَاجِبِ .
قال ابن عبَّاس : نزلت في اليَهُود ، بخلوا بِبَيَان صِفَة محمَّد صلى الله عليه وسلم وكَتمُوها{[7877]} . وقال سعيد بن جبير : هَذَا في كِتْمَان العِلْمِ{[7878]} .
وقال ابن عبَّاسٍ وابن زيد : نَزَلَتْ في كردم بن يزيد ، وحُيَيٍّ بن أخْطَب ، ورِفَاعة بن التَّابُوت وأسَامة بن حَبِيبٍ ، ونَافِع بن أبِي نافع ، وبحري بن عمرو ، وكانُوا يأتُون رجالاً من الأنْصَارِ يُخَالِطُونَهُم ، فيقولون : لا تُنْفِقُوا أموالكُم ، فإنّا نَخْشَى عليكم الفَقْرَ ولا تَدْرُون مَا يَكُون ، فأنزل هذه الآية{[7879]} .
وقيل : إنها عَامَّة في البُخْلِ بالعِلْم والدِّين والمَالِ : لأن البخل مَذْمُومٌ واللفظ عامٌّ .
قال القرطبي{[7880]} : والمراد بهذه الآيَةِ في قَوْل ابن عبَّاس وغيره : اليَهُود ؛ لأنهم جمَعُوا بين الاختيال والتَّفاخر ، والبخل بالمَالِ ، وكِتْمَان ما أنْزَل اللَّه في التَّوْرَاة من صِفَةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقيل المراد : المُنَافِقُون الذي{[7881]} كان إنْفاقهم{[7882]} وإيمانهم تقية .
قوله : { وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } يعني المال ، وقيل : يَبْخَلُون بالصَّدَقَة ، وقوله : { مِن فَضْلِهِ } ، يجوز أن يتعلَّق ب { آتَاهُمُ } أو بمَحْذُوف على أنه حالٌ من " مَا " ، أو من العَائِد عَلَيْها .
قال تعالى { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } فصَّل الله - تعالى - تَوعُّدَ{[7883]} المؤمنين البَاخِلين من تَوَعُّد الكَافِرِين ، بأن جعل الأوَّل عدم المَحبَّة ، والثَّاني عذاباً مُهِيناً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.