الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

{ الَّذِينَ } في محل النصب ردّاً على { مَّنْ } وقيل : ( المختال الفخور ) ، { يَبْخَلُونَ } البخل في كلام العرب : منع الرجل سائله ما لديه من فضل عنه ، وفي الشرع : منع الواجب ، وفيه أربع لغات : البخل بفتح الباء والخاء وهي قراءة أنس بن مالك وعبيد بن عمير ويحيى بن يعمر ومجاهد وحمزة والكسائي وخلف والمفضل ولغة الأنصار . والبَخْل بفتح الباء وسكون الخاء وهي قراءة قتادة وعبد الله بن سراقة ، وأيّوب السجستاني ، والبُخُل بضم الباء والخاء وهي قراءة عيسى بن عمرو . والبُخْل بضم الباء وجزم الخاء وهي قراءة الباقين ، واختيار أبي عبيد وأبي مسلم لأنها اللغة العالية ، وفي الحديد مثله . وكلُّها لغات ، ونظيره في الكلام : ( أرض جَرز ، وجُرُز ، وجُرْز ) .

واختلف العلماء في نزول الآية ومعناها ، فقال أكثرهم : نزلت في اليهود ؛ كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يبيّنوها للنّاس ، وهم يجدونها مكتوبة عندهم في التوراة . يمان عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير : { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } ، قال هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء .

قال ابن عباس وابن زيد : نزلت في كردم بن زيد وأُسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع ويحيى بن يعمر وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت ، كانوا يأتون رجالا من الأنصار ويخالطونهم وينصحونهم ، فيقولون لهم لا تنفقوا أموالكم ؛ فإنّا نخشى عليكم الفقر ، ولا ندري ما يكون ، فأنزل الله عزّ وجلّ { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } إلى قوله : { مِن فَضْلِهِ } يعني المال .

وقال يمان : يعني يبخلون بالصدقة . الفضل بن فضالة ، عن أبي رجاء قال : خرج علينا عمران بن حصين في مطرف من خزّ لم نره عليه قبل ولا بعد ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ الله عزّ وجلّ إذا أنعم على عبد نعمة ، أحبَّ أن يُرى أثر نعمته عليه " .

{ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }