فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

{ الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ( 37 ) }

{ الذين يبخلون } البخل المذموم في الشرع هو الامتناع عن أداء ما وقعوا فيه من البخل الذي هو أشر خصال الشر ، ما هو أقبح منه وأدل على سقوط نفس فاعله وبلوغه في الرذالة إلى غايتها { و } هو أنهم مع بخلهم بأموالهم وبما منحوا به وكتمهم لما أنعم الله به عليهم من فضله { يأمرون الناس بالبخل } كأنهم يجدون في صدورهم من جود غيرهم بماله حرجا ومضاضة ، فلا كثر الله في عباده من أمثالكم .

هذه أموالكم قد بخلتم بها لكونكم تظنون انتقاصها بإخراج بعضها في مواضعه فما بالكم بخلتم بأموال غيركم مع أنه لا يلحقكم في ذلك ضرر ، وهل هذا إلا غاية اللؤم ونهاية الحمق والرقاعة وقبح لطباع وسوء الاختيار ، وقد قيل أن المراد بهذه الآية اليهود فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال ، وكتمان ما أنزل الله في التوراة ، وفي البخل أربع لغات فتح الباء والخاء وضمهما وفتح الباء مع سكون الخاء وقرئ بها جميعا ، وقرأ الجمهور بالأخيرة .

{ ويكتمون ما آتاهم الله من فضله } من صفة محمد أو من علم أو الغنى ، قيل المراد بها المنافقون ولا يخفى أن اللفظ أوسع من ذلك وأكثر شمولا وأعم فائدة { وأعتدنا للكافرين } يعني الجاحدين لنعمة الله عليهم { عذابا مهينا } في الآخرة ، وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق ) أخرجه الترمذي واستغربه .