الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

{ الذين يَبْخَلُونَ } بدل من قوله : { مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } أو نصب على الذم . ويجوز أن يكون رفعاً عليه ، وأن يكون مبتدأ خبره محذوف ، كأنه قيل : الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون ، أحقاء بكل ملامة . وقرىء «بالبخل » بضم الباء وفتحها . وبفتحتين . وبضمتين : أي يبخلون بذات أيديهم ، وبما في أيدي غيرهم . فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتاً للسخاء ممن وجد . وفي أمثال العرب : أبخل من الضنين بنائل غيره . قال :

وَإِن امرءا ضَنَّتْ يَداه عَلَى امرئ *** بِنَيْلِ يَدٍ مِنْ غَيْرِهِ لَبَخِيلُ

ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل ، من إذا طرق سمعه أنّ أحداً جاد على أحد . شخص به وحلّ حبوته ، واضطرب ، ودارت عيناه في رأسه ، كأنما نهب رحله وكسرت خزانته ، ضجراً من ذلك وحسرة على وجوده . وقيل : هم اليهود ، كانوا يأتون رجالاً من الأنصار يتنصحون لهم ويقولون : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر ولا تدرون ما يكون . وقد عابهم الله بكتمان نعمة الله وما آتاهم من فضل الغنى والتفاقر إلى الناس . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أنعم الله على عبد نعمة أحب أن ترى نعمته على عبده " وبنى عامل للرشيد قصراً حذاء قصره ، فنمّ به عنده . فقال الرجل : يا أمير المؤمنين إن الكريم يسره أن يرى أثر نعمته ، فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك ، فأعجبه كلامه . وقيل : نزلت في شأن اليهود الذين كتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .