محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا37 ) .

( الذين يبخلون ) أي بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به فيما تقدم ( ويأمرون الناس بالبخل ) أي ولا يكونون سبب الاحسان . بل يبخلون بذات أيديهم وبما في أيدي غيرهم . / فيأمرونهم بأن يبخلوا به مقتا للسخاء ممن وجد . وفي أمثال العرب : أبخل من الضنين بنائل غيره . قال{[1723]} :

وان امرءا ضنت يداه ، على امرئ *** بنيل يد من غيره ، لبخيل

قال الزمخشري بعد حكاية ما تقدم : ولقد رأينا ممن بلي بداء البخل ، من إذا طرق سمعه أن أحدا جاد على أحد ، شخص به ، وحل حبوته واضطرب ، ودارت عيناه في رأسه . كأنما نهب رحله ، وكسرت خزانته ، ضجرا من ذلك وحسرة على وجوده . انتهى ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ) أي من المال والغنى . فيوهمون الفقر مع الغنى والإعسار مع اليسار والعجز مع الإمكان ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله تعالى . ومن كان كافرا بنعمة الله تعالى فله عذاب يهينه ، كما أهان النعمة بالبخل والإخفاء .

فائدة :

قال أبو البقاء : في قوله تعالى : ( الذين يبخلون ) وجهان :

أحدهما : هو منصوب بدل من ( من ) في قوله : ( من كان مختالا فخورا ) وجمع على معنى ( من ) ويجوز أن يكون محمولا على قوله : ( مختالا فخورا ) وهو خبر ( كان ) وجمع على المعنى أيضا ، أو على اضمار : أذم .

والثاني : أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره : مبغضون . ودل عليه ما تقدم من قوله : ( لا يحب ) ويجوز أن يكون الخبر : معذبون . لقوله : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) / ويجوز أن يكون التقدير : هم الذين . ويجوز أن يكون مبتدأ ( والذين ينفقون ) معطوف عليه ، والخبر ( ان الله لا يظلم ) أي يظلمهم .

ثم قال : والبخل والبخل لغتان . وقد قرئ بهما . وفيه لغتان أخريان البخل بضم الخاء والباء ، والبخل بفتح الباء وسكون الخاء . انتهى .


[1723]:قائله أبو تمام قصيدة يعاتب موسى بن ابراهيم الرافقي، في ضنه عليه بحاجة. (ديوانه صفحة 408) ومطلعها: واني لأستحي يقيني أن يرى لشكي في شيء عليه دليل واليد الثانية: النعمة.