فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (37)

قوله : { الذين يَبْخَلُونَ } هم في محل نصب بدلاً من قوله : { مَن كَانَ مُخْتَالاً } أو على الذمّ ، أو في محل رفع على الابتداء ، والخبر مقدّر ، أي : لهم كذا وكذا من العذاب ، ويجوز أن يكون مرفوعاً بدلاً من الضمير المستتر في قوله : { مُخْتَالاً فَخُوراً } ويجوز أن يكون منصوباً على تقدير أعني ، أو مرفوعاً على الخبر ، والمبتدأ مقدّر ، أي : هم الذين يبخلون ، والجملة في محل نصب على البدل . والبخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله ، وهؤلاء المذكورون في هذه الآية ضموا إلى ما وقعوا فيه من البخل الذي هو أشرّ خصال الشرّ ما هو أقبح منه ، وأدل على سقوط نفس فاعله ، وبلوغه في الرذالة إلى غايتها ، وهو أنهم مع بخلهم بأموالهم ، وكتمهم لما أنعم الله به عليهم من فضله { يَأْمُرُونَ الناس بالبخل } كأنهم يجدون في صدورهم من جود غيرهم بماله حرجاً ومضاضة ، فلا كثر في عباده من أمثالكم ، هذه أموالكم قد بخلتم بها لكونكم تظنون انتقاصها بإخراج بعضها في مواضعه ، فما بالكم بخلتم بأموال غيركم ؟ مع أنه لا يلحقكم في ذلك ضرر ، وهل هذا إلا غاية اللوم ونهاية الحمق ، والرقاعة وقبح الطباع وسوء الاختيار . وقد تقدم اختلاف القراءات في البخل . وقد قيل : إن المراد بهذه الآية : اليهود ، فإنهم جمعوا بين الاختيال ، والفخر ، والبخل بالمال ، وكتمان ما أنزل الله في التوراة وقيل : المراد بها المنافقون ، ولا يخفى أن اللفظ أوسع من ذلك ، وأكثر شمولاً ، وأعمّ فائدة .

/خ42