الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا} (89)

فيه خمس مسائل :

الأولى : قوله تعالى : " ودوا لو تكفرون " أي تمنوا أن تكونوا كهم في الكفر والنفاق شرعا سواء ؛ فأمر الله تعالى بالبراءة منهم فقال : " فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا " ؛ كما قال تعالى : " ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا{[4710]} " [ الأنفال : 72 ] .

والهجرة أنواع : منها الهجرة إلى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه واجبة أول الإسلام حتى قال : ( لا هجرة بعد الفتح ) . وكذلك هجرة المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات ، وهجرة من أسلم في دار الحرب فإنها واجبة ، وهجرة المسلم ما حرم الله عليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( والمهاجر من هجر ما حرم الله عليه ) . وهاتان الهجرتان ثابتتان الآن . وهجرة أهل المعاصي حتى يرجعوا تأديبا لهم فلا يكلمون ولا يخالطون حتى يتوبوا ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع كعب وصاحبيه{[4711]} . " فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم " يقول : إن أعرضوا عن التوحيد والهجرة فأسروهم واقتلوهم . " حيث وجدتموهم " عام في الأماكن من حل وحرم . والله أعلم .


[4710]:راجع ج 8 ص 55 و ص 282.
[4711]:راجع ج 8 ص 282.