تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا} (89)

الآية 89

وقوله تعالى : { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } قيل : الذين تركوا الهجرة ، فرجعوا إلى أهلهم ومنازلهم : الذين قال الله ( فيهم ){[6156]} : { فما لكم في المنافقين فئتين } ( النساء : 88 ){ لو تكفرون كما كفروا } أي تتركون الهجرة ، وترجعون كما رجعوا هم ، فتكونون أنتم وهم سواء شرعا في الكفر ، فسماهم الله كفارا ، وأمرهم بالبراءة منهم ، فقال : { فلا تتخذوا منهم أولياء }بالهجرة الأولى كقوله تعالى : { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } ( المائدة : 51 ) وكقوله{[6157]} تعالى : { لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ( الممتحنة : 1 ) وكقوله تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء } ( آل عمران : 28 ) نهاهم أن يتخذوا أولياء{ حتى يهاجروا } هجرة ثانية إلى المدينة ، ويثبتوا على ذلك .

هذا في قول من قال : إنهم كانوا هاجروا ، ثم لحقوا بمكة . أما في قول من قال : إنهم كانوا في أهلهم وتكلموا بالإسلام فيها ولم يهاجروا ، فمعنى هذا : لا{ تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا } كما هاجر غيرهم .

وقيل : المهاجرون على طبقات : منهم من هاجر ، وأقام ، وسمع ، وأطاع ، وثبت على ذلك ، ومنهم من هاجر ، ثم خرج من غير إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بأهله ، وأبطل هجرته التي {[6158]} هاجر وإيمانه الذي{[6159]} آمن . ومنهم من تكلم بالإسلام ، وأقام بأهله ، ولم يهاجر ، وله قوة ( على ){[6160]} الهجرة ، كان كذلك ، ومنهم من تكلم بالإسلام ، ولم يكن له قوة على الهجرة ، كانوا مستضعفين . وهو ، والله أعلم ، ما قال الله تعالى : { إلا المستضعفين من الرجال والنساء } الآية ( النساء : 98 ) .

روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( كنت أنا وأمي من المستضعفين ) . والذين آمنوا ، ولم يهاجروا ، ولهم قوة ( على ){[6161]} الهجرة ، ما قال الله تعالى : { والذين آمنوا ولم يهاجروا } ( الأنفال : 72 ) وفي قوله تعالى : { ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } ( الأنفال : 72 ) وفي قوله تعالى : { فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا } ( النساء : 89 ) . ويحتمل من أظهر الموافقة من المنافقين للكفرة ، ولحق بهم ، ويحتمل من قد آمن ، ولم يهاجر ؛ فيكون الأول على ولاية الدين ، والثاني : على ولاية الميراث كقوله تعالى : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء } ( الأنفال : 72 ) .

ومن يتأول الآية إظهار الكفر دون الخروج من المدينة فمها جرته تخرج على وجهين :

أحدهما : أن يكون قد انضم إلى معاني الكفرة ، فما{[6162]} يترك صحبتهم .

والثاني : أن تهاجر الأعلام المجعولة لأهل النفاق مما تظهر ذلك في ما امتحنوا به من الأفعال ، فيظهر خلاف ذلك كقوله تعالى : { ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم } ( الأحزاب : 24 ) .

وقوله تعالى : { فإن تولوا } وأبو الهجرة{ فخذوهم واقتلوهم حيث ما وجدتموهم } لأنهم صاروا حراما لنا حيث تركوا الهجرة ، وأبطلوا إيمانهم الذي تكلموا به{ ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا }لما ذكرنا ، والله أعلم .


[6156]:ساقطة من الأصل وم.
[6157]:في الأصل وم: قال.
[6158]:في الأصل وم: الذي.
[6159]:في الأصل وم: الذين.
[6160]:ساقطة في الأصل وم.
[6161]:ساقطة في الأصل وم.
[6162]:في الأصل وم: فيما.