البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا} (89)

{ ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } مَن أثبت أن لو تكون مصدرية قدره : ودُّوا كفركم كما كفروا .

ومَن جعل لو حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره ، جعل مفعول ودُّوا محذوفاً ، وجواب لو محذوفاً ، والتقدير : ودُّوا كفركم لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ، لسرُّوا بذلك .

وسبب ودّهم ذلك إمّا حسداً لما ظهر من علوّ الإسلام كما قال في نظيرتها : { حسداً من عند أنفسهم } وإمّا إيثاراً لهم أن يكونوا عباد أصنام لكونهم يرون المؤمنين على غير شيء ، وهذا كشف من الله تعالى لخبيث معتقدهم ، وتحذير للمؤمنين منهم .

وفتكونون معطوف على قوله : تكفرون .

قال الزمخشري : ولو نصب على جواب التمني لجاز ، والمعنى : ودُّوا كفركم وكونكم معهم شرعاً واحداً فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء انتهى .

وكون التمني بلفظ الفعل ، ويكون له جواب فيه نظر .

وإنما المنقول أنَّ الفعل ينتصب في جواب التمني إذا كان بالحرف نحو : ليت ، ولو وإلا ، إذا أشربتا معنى التمني ، أما إذا كان بالفعل فيحتاج إلى سماع من العرب .

بل لو جاء لم تتحقق فيه الجوابية ، لأن ودّ التي تدل على التمني إنما متعلقها المصادر لا الذوات ، فإذا نصب الفعل بعد الفاء لم يتعين أن تكون فاء جواب ، لاحتمال أن يكون من باب عطف المصدر المقدر على المصدر الملفوظ به ، فيكون من باب : للبس عباءة وتقرّ عيني .

{ فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله } لما نص على كفرهم ، وأنَّهم تمنوا أن تكونوا مثلهم بانت عداوتهم لاختلاف الدّينين ، فهي تعالى أن يوالي منهم أحد وإن آمنوا ، حتى يظاهروا بالهجرة الصحيحة لأجل الإيمان ، لا لأجل حظ الدّنيا ، وإنما غياباً بالهجرة فقط لأنها تتضمن الإيمان .

وفي هذه الآية دليل على وجوب الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ولم يزل حكمها كذلك إلى أن فتحت مكة ، فنسخ بقوله صلى الله عليه وسلم : « لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا » .

وخالف الحسن البصري فقال بوجوبها ، وإن حكمها لم ينسخ ، وهو باق فتحرم الإقامة بعد الإسلام في دار الشرك .

وإجماع أهل المذاهب على خلافه .

قال القاضي أبو يعلى وغيره : من هو قادر على الهجرة ولا يقدر على إظهار دينه فهي تجب عليه لقوله تعالى : { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } ومن كان قادراً على إظهار دينه استحبت له ، ومن لا يقدر على إظهار دينه ولا على الحركة كالشيخ الفاني والزمِنْ ، لا يستحب له .

{ فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً } أي .

فإن تولوا عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة فحكمهم حكم الكفار يقتلون حيث وجدوا في حل وحرم ، وجانبوهم مجانبة كلية ، ولو بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم .

/خ93