إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا} (89)

{ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } كلامٌ مستأنفٌ لبيان غلوِّهم وتماديهم في الكفر وتصدِّيهم لإضلال غيرِهم إثرَ بيانِ كفرِهم وضلالِهم في أنفسهم ، وكلمةُ لو مصدرية غنيةٌ عن الجواب ، وهي مع ما بعدها نصبٌ على المفعولية ، أي ودّوا أن تكفروا ، وقولُه تعالى : { كَمَا كَفَرُوا } نُصب على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي كفراً مثلَ كفرِهم ، أو حالٌ من ضمير ذلك المصدرِ كما هو رأيُ سيبويهِ وقولُه تعالى : { فَتَكُونُونَ سَوَاء } عطفٌ على تكفرون داخلٌ في حكمه أي ودوا أن تكفروا فتكونوا سواءً مستوِين في الكفر والضلالِ ، وقيل : كلمةُ لو على بابها ، وجوابُها محذوفٌ كمفعول ودّوا لتقدير ودوا كفرَكم لو تكفرون كما كفروا لسخرّوا بذلك .

{ فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاء } الفاء جوابُ شرطٍ محذوفٍ وجمعُ أولياءَ لمراعاة جمعِ المخاطَبين فإن المرادَ نهيُ أن يتخذ واحدٌ من المخاطبين ولياً واحداً منهم أي إذا كان حالُهم ما ذكر من وِدادة كفرِكم فلا توالوهم { حتى يُهَاجِرُوا في سَبِيلِ الله } أي حتى يؤمنوا ويحققوا إيمانَهم بهجرةٍ كائنةٍ لله تعالى ورسولِه عليه الصلاة والسلام لا لغرض من أغراض الدنيا .

{ فَإِن تَوَلَّوْا } أي عن الإيمان المؤيَّدِ بالهجرة الصحيحةِ المستقيمةِ { فَخُذُوهُمْ } أي إذا قدَرتم عليهم { واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } من الحِلّ والحرمِ فإن حُكمَهم حكمُ سائرِ المشركين أسراً وقتلاً { وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي جانبوهم مجانبةً كليةً ولا تقبَلوا منهم وِلايةً ولا نُصرةً إبداً .