( ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا89 ) .
( ودوا لو تكفرون كما كفروا ) كلام مستأنف مسوق لبيان غلوهم وتماديهم في الكفر وتصديهم لإضلال غيرهم ، إثر بيان كفرهم وضلالهم في أنفسهم . أي : تمنوا أن تكفروا ككفرهم بعد الإيمان ( فتكونون سواء ) أي : في الكفر والضلال ( فلا تتخذوا منهم أولياء ) في العون والنصرة لئلا يفضي إلى كفرهم ، وان أظهروا لكم الإيمان طلبا لموالاتكم ( حتى يهاجروا ) من دار الكفر ( في سبيل الله ) فتتحققوا ايمانهم ( فان تولوا ) أي عن الهجرة . فهم ، وان أظهروا لكم الإسلام مع قدرتهم على الهجرة ، فافعلوا بهم ما تفعلون بالكفار . لأنه زال عنهم حكم النفاق بلحوق دار الكفر ( فخذوهم ) أي : اتسروهم{[2065]} -واقتلوهم حيث وجدتموهم ) في الحل والحرم ( ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ) أي : لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ما داموا كذلك .
الأول : قال الرازي : دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد وهذا متأكد بعموم قوله تعالى{[2066]} : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ) . والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين ، لأن ذلك هو الأمر الذي يتقرب به إلى الله تعالى ويتوسل به إلى طلب السعادة في الآخرة . وإذا كان كذلك ، كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة . وإذا كان كذلك ، امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه . والله أعلم .
الثاني : يظهر لي أن الأقرب في سبب نزول الآيات أعني قوله تعالى : ( فما لكم في المنافقين ) . الخ ، رواية عبد الرحمان بن عوف . كما يدل عليه سبر هذه الآيات وتدبرها بصادق النظر والإمعان . وقد اهتدى إلى ذلك الفاضل المهايمي في ( تفسيره ) . فاقتصر على هذا الوجه فقال : وهم الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البدو لاجتواء المدينة . فلم يزالوا يرتحلون مرحلة بعد أخرى حتى لحقوا المشركين . انتهى . وقول السيوطي : في إسناد رواية عبد الرحمان بن عوف عند أحمد تدليس وانقطاع –لا يقدح في اصابتها كبد الحقيقة ، لأنها وجدت فيها قرينة تلحقها بالمقبول وهو موافقتها لألفاظ الآية بلا تكلف .
وحينئذ فقول زيد بن ثابت : فنزلت فيما تقدم بمعنى أنها تشمل ما وقع من المنخزلين عن أحد وما جرى من اختلاف المؤمنين في شأنهم . لا أن ما وقع كان سببا لنزولها . واستعمال النزول بذلك معروف كما بيناه في المقدمة . وإلا لأشكل قوله تعالى : ( إلا أن يهاجروا ) . إذ لم تطلب المهاجرة الا من النائين عن المدينة . وأولئك ، أعني الذين انحرفوا عن المسلمين في أحد ، كانوا بها . فيحتاج إلى جعل المهاجرة بمعنى خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، صابرين محتسبين مخلصين . كما قاله بعض المفسرين . وهذا المعنى لم يشع في المهاجرة . ولأشكل أيضا قوله تعالى : ( فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ) . فإنه يفيد بأنهم ليسوا من منافقي أهل المدينة . وانه يتوقع الظفر بهم . وإلا فمنافقوها بين ظهرانيهم ليلا ونهارا . فالظاهر في هذا المقام رواية ابن عوف . وفي آخر رواية زيد ما يشعر بها حيث قال : " انها طيبة وانها تنفي الخبث " . اشارة إلى أن المدينة نفت هؤلاء الذين نزحوا عنها بعد اسلامهم . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.