ثم قال تعالى : { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله }
المسألة الأولى : أنه تعالى لما قال قبل هذه الآية : { أتريدون أن تهدوا من أضل الله } وكان ذلك استفهاما على سبيل الإنكار قرر ذلك الاستبعاد بأن قال : بلغوا في الكفر إلى أنهم يتمنون أن تصيروا أيها المسلمون كفارا ، فلما بلغوا في تعصبهم في الكفر إلى هذا الحد فكيف تطمعون في إيمانهم .
المسألة الثانية : قوله : { فتكونون سواء } رفع بالنسق على { تكفرون } والمعنى : ودوا لو تكونون ، والفاء عاطفة ولا يجوز أن يجعل ذلك جواب التمني ، ولو أراد ذلك على تأويل إذا كفروا استووا لكان نصبا ، ومثله قوله : { ودوا لو تدهن فيدهنون } ولو قيل : { فيدهنوا } على الجواب لكان ذلك جائزا في الإعراب ، ومثله : { ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم } ومعنى قوله : { فتكونون سواء } أي في الكفر ، والمراد فتكونون أنتم وهم سواء إلا أنه اكتفى بذكر المخاطبين عن ذكر غيرهم لوضوح المعنى بسبب تقدم ذكرهم ، واعلم أنه تعالى لما شرح للمؤمنين كفرهم وشدة غلوهم في ذلك الكفر ، فبعد ذلك شرح للمؤمنين كيفية المخالطة معهم فقال : { فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا فى سبيل الله } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : دلت الآية على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد ، وهذا متأكد بعموم قوله تعالى : { يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء } والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين ، لأن ذلك هو الأمر الذي به يتقرب إلى الله تعالى ، ويتوسل به إلى طلب السعادة في الآخرة ، وإذا كان كذلك كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة ، وإذا كان كذلك امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلا فيه والله أعلم .
المسألة الثانية : قوله : { فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا } قال أبو بكر الرازي : التقدير حتى يسلموا ويهاجروا ، لأن الهجرة في سبيل الله لا تكون إلا بعد الإسلام ، فقد دلت الآية على إيجاب الهجرة بعد الإسلام ، وأنهم وإن أسلموا لم يكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة ، ونظيره قوله : { ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا } .
واعلم أن هذا التكليف إنما كان لازما حال ما كانت الهجرة مفروضة قال صلى الله عليه وسلم : «أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين وأنا بريء من كل مسلم مع مشرك » فكانت الهجرة واجبة إلى أن فتحت مكة ، ثم نسخ فرض الهجرة . عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية »
وروي عن الحسن أن حكم الآية ثابت في كل من أقام في دار الحرب فرأى فرض الهجرة إلى دار الإسلام قائما .
المسألة الثالثة : اعلم أن الهجرة تارة تحصل بالانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وأخرى تحصل بالانتقال عن أعمال الكفار إلى أعمال المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم : «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه » وقال المحققون : الهجرة في سبيل الله عبارة عن الهجرة عن ترك مأموراته وفعل منهياته ، ولما كان كل هذه الأمور معتبرا لا جرم ذكر الله تعالى لفظا عاما يتناول الكل فقال : { حتى يهاجروا فى سبيل الله } فإنه تعالى لم يقل : حتى يهاجروا عن الكفر ، بل قال : { حتى يهاجروا فى سبيل الله } وذلك يدخل فيه مهاجرة دار الكفر ومهاجرة شعار الكفر ، ثم لم يقتصر تعالى على ذكر الهجرة ، بل قيده بكونه في سبيل الله ، فإنه ربما كانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ، ومن شعار الكفر إلى شعار الإسلام لغرض من أغراض الدنيا ، إنما المعتبر وقوع تلك الهجرة لأجل أمر الله تعالى .
ثم قال تعالى : { فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا } . والمعنى فإن أعرضوا عن الهجرة ولزموا مواضعهم خارجا عن المدينة فخذوهم إذا قدرتم عليهم ، واقتلوهم أينما وجدتموهم في الحل والحرم ، ولا تتخذوا منهم في هذه الحالة وليا يتولى شيئا من مهماتكم ولا نصيرا ينصركم على أعدائكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.