الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا} (89)

{ وَدُّواْ } أي تمنّوا { لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً } شركاء في ذلك مثلهم كفاراً ، ثمّ أمرهم بالبراءة منهم فقال { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الثانية معكم .

قال عكرمة : هي هجرة أخرى وبيعة اخرى ، والهجرة على ثلاثة أوجه : أما هجرة المؤمنين أوّل الإسلام فمضى في قوله

{ لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } [ الحشر : 8 ] وقوله { حَتَّى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ، وأما هجرة [ المؤمنين ] فهي الخروج في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صابراً محتسباً . قال الله { حَتَّى يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } ، وأما هجرة المؤمنين فهي أن يهجروا ما نهى الله عنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَإِنْ تَوَلَّوْاْ } عن التوحيد والهجرة { فَخُذُوهُمْ } يقول اسروهم { فَخُذُوهُمْ } يعني في الحل والحرم { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } يعني ما ينافي العون والنصرة ، وقوله

{ لَوْ تُدْهِنُ } [ القلم : 9 ] لم يرد به جواباً للتمني لأن جواب التمني بالفاء منصوب ، وإنما أراد به النسق على من نزل { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } وودّوا لو تكونون سواء مثل قوله تعالى :

{ وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] أي ودّوا لو تدهن وودّوا لو تكفرون ، ومثله { وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ } [ النساء : 102 ] أي ودّوا لو تغفلون وودّوا لو تميلون ،