فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءٗۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ أَوۡلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُواْ مِنۡهُمۡ وَلِيّٗا وَلَا نَصِيرًا} (89)

{ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هؤلاء المنافقين ، وإيضاح أنهم يودون أن يكفر المؤمنون كما كفروا ، ويتمنون ذلك عنادا وغلوا في الكفر وتماديا في الضلال ، وقيل ودوا كفركم ككفرهم ، وودوا مساواتكم لهم .

{ فلا تتخذوا منهم أولياء } أي إذا كان حالهم ما ذكر من ودادة كفركم فلا تتخذوهم أولياء ، وجمع الأولياء لمراعاة جمعية المخاطبين ، فالمراد النهي عن أن يتخذ منهم ولي ولو واحدا .

{ حتى يهاجروا في سبيل الله } هجرة صحيحة تحقق إيمانهم ، والمراد بالهجرة هنا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال في سبيله مخلصين صابرين محتسبين قال عكرمة : هي هجرة أخرى{[514]} .

{ فإن تولوا } عن الهجرة للقتال في سبيل الله { فخذوهم } إذا قدرتم عليهم { واقتلوهم حيث وجدتموهم } في الحل والحرم ، فإن حكمهم حكم سائر المشركين قتلا وأسرا { ولا تتخذوا منهم وليا } توالونه { ولا نصيرا } تستنصرون به .


[514]:"المسند" 5/184، والبخاري: 8/193 ومسلم4/2142. قال الحافظ في "الفتح" وهذا هو الصحيح في سبب نزولها. وفي "الفتح": وقوله: "رجع ناس ممن خرج معه" يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، وقد ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في "المغازي"، وأن عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأي النبي صلى الله عليه وسلم على الإقامة بالمدينة، فلما أشار غيره بالخروج، وأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج، قال عبد الله ابن أبي: أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا، فرجع بثلث الناس.