الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّـٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (8)

قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين " الآية تقدم معناها في " النساء " {[5406]} . والمعنى : أتمم عليك نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي لأجل ثواب الله ، فقوموا بحقه ، وأشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم ، وحيف على أعدائكم . " ولا يجرمنكم شنآن قوم " على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق . وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله تعالى ونفوذ شهادته عليه ؛ لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه . ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه ، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق ، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ، فليس لنا أن نقتلهم بمثله قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم ، وإليه أشار عبدالله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة{[5407]} : هذا معنى الآية . وتقدم في صدر هذه السورة{[5408]} معنى قوله : " لا يجر منكم شنآن قوم " . وقرئ " ولا يجرمنكم " قال الكسائي : هما لغتان . وقال الزجاج : معنى " لا يجرمنكم " لا يدخلنكم في الجرم ، كما تقول : آثمني أي أدخلني في الإثم . ومعنى " هو أقرب للتقوى " أي لأن تتقوا الله . وقيل : لأن تتقوا النار .


[5406]:راجع ج 5 ص 410.
[5407]:كذا في كل الأصول، ويبدو فيه سقط. والمراد بالقصة –والله أعلم- ما حدث لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع الروض الأنف ج 2 ص 82.
[5408]:راجع ص 44 من هذا الجزء.