الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{كَلَّآۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِأٓيَٰتِنَا عَنِيدٗا} (16)

فقال الله تعالى ردا عليه وتكذيبا له : " كلا " أي لست أزيده ، فلم يزل يرى النقصان في ماله وولده حتى هلك . و " ثم " في قوله تعالى : " ثم يطمع " ليست ب " ثم " التي للنسق ولكنها تعجيب ، وهي كقوله تعالى : " وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) [ الأنعام : 1 ] وذلك كما تقول : أعطيتك ثم أنت تجفوني ، كالمتعجب من ذلك . وقيل يطمع أن أترك ذلك في عقبه ؛ وذلك أنه كان يقول : إن محمدا مبتور ، أي أبتر وينقطع ذكره بموته . وكان يظن أن ما رزق لا ينقطع بموته . وقيل : أي ثم يطمع أن أنصره على كفره . و " كلا " قطع للرجاء عما كان يطمع فيه من الزيادة ، فيكون متصلا بالكلام الأول .

وقيل : " كلا " بمعنى حقا ويكون ابتداء " إنه " يعني الوليد " كان لآياتنا عنيدا " أي معاندا للنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به . يقال : عاند فهو عنيد مثل جالس فهو جليس . قاله مجاهد . وعند يعند بالكسر أي خالف ورد الحق وهو يعرفه فهو عنيد وعاند . والعاند : البعير الذي يحور عن الطريق ويعدل عن القصد والجمع عند مثل راكع وركع ، وأنشد أبو عبيدة قول الحارثي :

إذا ركبت فاجعلاني وسطا{[15569]} *** إني كبير لا أطيق العندا

وقال أبو صالح : " عنيدا " معناه مباعدا ، قال الشاعر :

أرانا على حال تفرق بيننا *** نوى غربة{[15570]} إن الفراق عنود

قتادة : جاحدا . مقاتل : معرضا . ابن عباس : جحودا . وقيل : إنه المجاهر بعدوانه .

وعن مجاهد أيضا قال : مجانبا للحق معاندا له معرضا عنه . والمعنى كله متقارب . والعرب تقول : عند الرجل إذا عتا وجاوز قدره . والعنود من الإبل : الذي لا يخالط الإبل ، إنما هو في ناحية . ورجل عنود إذا كان يحل وحده لا يخالط الناس والعنيد من التجبر . وعرق عاند : إذا لم يرقأ دمه . كل هذا قياس واحد وقد مضى في سورة " إبراهيم " {[15571]} . وجمع العنيد عند ، مثل رغيف ورغف .


[15569]:رواية لسان العرب: *إذا رحلت فاجعلوني وسطا *
[15570]:نوى غربة: بعيدة.
[15571]:راجع جـ 9 ص 249.