اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَلَّآۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِأٓيَٰتِنَا عَنِيدٗا} (16)

" كلاَّ " لستُ أزيدهُ ، فلمْ يزلْ في نقصانٍ بعد قوله : " كلاَّ " حتى افتقر ومات فقيراً{[58508]} .

وقيل : أي : ثم يطمع أن أنصره على كفره ، " كَلا " قطع للرجاء عما كان يطمع فيه من الزيادة ، فيكون متصلاً بالكلام الأول .

وقيل : «كَلاَّ » بمعنى «حقاً » ، ويبتدئ بقوله «إنَّهُ » يعني الوليد { كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } ، أي : معانداً للنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به .

قال الزمخشريُّ : { إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا } استئناف جواب لسائل سأل : لم لا يزداد مالاً ، وما باله ردع عن طبعه ؟ .

فأجيب بقوله : { إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً } ، انتهى .

فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم في الهرة : «إنَّها ليْسَتْ بنجسٍ ، إنَّها مِنَ الطوَّافِيْنَ عَليْكُمْ »{[58509]} .

والعنيد : المعاند .

يقال : عاند فهو عنيد وعانِد ، والمعاند : البعير الذي يجور عن الطريق ويعدل عن القصد ، والجمع : عند مثل : «راكع وركع » ، قاله أبو عبيدة ؛ وأنشد قول الحازميِّ : [ الرجز ]

4959 - إذَا رَكبتُ فاجْعَلانِي وَسَطا*** إنَّي كَبِيرٌ لا أطيقُ العُنَّدا{[58510]}

وقال أبو صالح : «عنيداً » معناه : مباعداً ؛ قال الشاعر : [ الطويل ]

4960 - أرَانَا على حَالٍ تُفَرِّقُ بَيْنَنا*** نَوّى غُرْبَةٌ إنَّ الفِراقَ عَنُودُ{[58511]}

وقال قتادة : جاحداً{[58512]} .

وقال مقاتل : معرضاً{[58513]} .

وقيل : إنه المجاهر بعداوته .

وعن مجاهد : أنه المجانب للحق{[58514]} .

قال الجوهري : ورجل عنود : إذا كان لا يخالط الناس ، والعنيد من التجبر ، وعرق عاند : إذا لم يرقأ دمه ، وجمع العنيد عُنُد مثل رغيف ورغف ، والعنود من الإبل : الذي لا يخالط الإبل إنما هو في ناحية ، والعنيد في معنى المعاند كالجليس والأكيل والعشير .

فصل في بيان فيما كانت المعاندة

في الآية إشارة إلى أنه كان يعاند في أمور كثيرة :

منها أنه كان يعاند في دلائل التوحيد ، والعدل ، والقدرة ، وصحة النبوة وصحة البعث .

ومنها : أن كفره كان عناداً لأنه كان يعرف هذه الأشياء بقلبه وينكرها بلسانه . وكفر المعاند أفحش أنواع الكفر .

ومنها : أن قوله «كان » يدل على أن هذه حرفته من قديم الزمان .

ومنها : أن هذه المعاندة ، كانت مختصة منه بآيات الله تعالى .


[58508]:ينظر المصدر السابق.
[58509]:تقدم.
[58510]:ينظر المقتضب (1/218)، وابن الشجري (1/276)، والاقتضاب ص 415، وشرح الجمل لابن عصفور 2/600، ومجاز القرآن 1/290، والطبري 29/97، ومجمع البيان 10/583، والقرطبي 18/48.
[58511]:ينظر اللسان (غرب)، (وعند)، والقرطبي (19/48).
[58512]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/308).
[58513]:ذكره الماوردي (6/141) والقرطبي (19/48).
[58514]:ينظر المصدر السابق.