لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

قوله جل ذكره : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } .

مَثَّلَ الكافرَ ومعبوديه بعبدٍ اشترك فيه متنازعون .

{ فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } : فالصنم يدعي فيه قومٌ وقومٌ آخرون ؛ فهذا يقول : أنا صَنَعْتُه ، وذلك يقول : أنا استعملْتُه ، وثلاث يقول : أنا عَبَدْتُه .

أمّا المؤمن فهو خالِصٌ لله عزَّ وجل ، يشبه " عبداً سَلَماً لرجل " أي ذا سلامة من التنازع والاختلاف .

ويقال : { رَّجُلاً فِيهَ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } تتجاذبه أشغال الدُّنيا ، شُغْلُ الوَلدِ وشغل العيال ، وغيرُ ذلك من الأشغالِ المختلفةِ والخواطرِ المُشَتِّتَةِ .

أمَّا المؤمِن فهو خالصٌ لله ليس لأحدٍ فيه نصيب ؛ ولا للدنيا معه سبب إذ ليس منها شيء ، ولا للرضوان معه شُغْل ، إذْ ليس له طاعات يُدِلُّ بها ، وعَلَى الجملة فهو خالص لله ، قال تعالى لموسى : { وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } [ طه : 41 ] أي أبقيتُكَ لي حتى لا تصلح لغيره .

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } : الثناءُ له ، وهو مُسْتَحِقٌّ لصفات الجلال .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

قوله : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } { مثلاً } ، مفعول لضرب . و { رجلاً } بدل منه ، والمراد به عبد { فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } أي متنازعون متخاصمون في ذلك العبد المشترك بينهم { وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ } أي سالما له ، خالصا من الاشتراك فيه ، فلا يملكه أحد غير رجل واحد .

قوله : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } { مثلاً } بمعنى صفة ، وهو تمييز . أي هل يستوي هذان الرجلان في حالهما وصفتهما ؟ ! وهو استفهام إنكار واستبعاد لاستوائهما . والمراد من المثل : أنه لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله ، والمؤمن المخلص الذي يعبد الله وحده لا شريك له .

فالمشرك يتيه في ضلاله حائرا بين الشركاء والأنداد ، وهي كثيرة ومختلفة وصماء يتخبط الجاهلون في تعظيمها والتخشُّع أمامها . لكن المؤمن الذي أخلص دينه وعبادته لله وحده دون غيره من الشركاء ، لا جرم أنه مستقر في سكينته وراحته وطمأنينته .

قوله : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } ذلك تنبيه من الله للموحدين على ما امتنَّ به عليهم من توفيقهم لتوحيده وطاعته . لا جرم أن هذه نعمة جليلة تقتضي دوام الحمد لله تعالى بالخضوع له وعبادته وتمام طاعته .

قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أضرب عن بيان عدم الاستواء بين الرجلين المملوكين إلى بيان أن { أكثر الناس لا يعلمون } أي لا يعلمون الحق ، وهم ناكبون عن صراط الله السويِّ وناكلون عن منهجه الحكيم .