الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

وقوله سبحانه : { ضَرَبَ الله مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ متشاكسون } ، هَذا مَثَلٌ ضربَه اللَّهُ سبحانه في التوحيدِ ، فَمَثَّلَ تعالى الكافرَ العابِدَ للأوثانِ والشياطينِ بِعَبْدٍ لرِجَالٍ عِدَّةٍ ؛ في أَخْلاَقِهِم شَكَاسَةٌ وَعَدَمُ مُسَامَحَةٍ ؛ فهم لذلك يُعَذِّبُونَ ذلك العَبْدَ بتضايقهم في أوقاتهم ، ويضايِقُون العبدَ في كثْرَةِ العَمَلِ ؛ فهو أبَداً في نَصَبٍ منهم وعناءٍ ، فكذلك عَابِدُ الأوْثَانِ الذي يَعْتَقِدُ أَنَّ ضُرَّهُ ونَفْعَهُ عِنْدَهَا ؛ هو معذَّبُ الفِكْرِ بِهَا وبحراسَةِ حَالِهِ مِنْهَا ، ومتى تَوَهَّمَ أنه أرضى صَنَماً بالذبحِ له في زعمِه ، تَفَكّر فيما يصنعُ معَ الآخرِ ؛ فهو أبداً تَعِبٌ في ضلالٍ ، وكذلك هو المُصَانِعُ للنَّاس المُمْتَحَنُ بخدمةِ الملوكِ ، ومَثَّلَ تَعالى المُؤْمِنَ باللَّهِ وحدَهُ ؛ بعَبْدٍ لرجُلٍ واحدٍ يُكَلِّفُه شُغْلَهُ ؛ فهو يعمله على تُؤدَةٍ وقَدْ سَاسَ مَوْلاَهُ ، فالمولى يَغْفِر زَلَّتهُ ويشكُرُه على إجادةِ عَمَلهِ ، و{ مَثَلاً } مفعولُ ب { ضَرِبَ } و{ رَجُلاً } نَصْبٌ على البَدَلِ و{ متشاكسون } معناه : لا سَمْحَ في أخلاقِهم ؛ بل فيها لَجَاجٌ ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «سالماً » أي : سالماً من الشّرْكَة ، ثم وَقَفَ تعالى الكفارَ بقوله : { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } ونَصْبُ { مَثَلاً } على التمييز ؛ وهذا التوقيفُ لا يجيبُ عَنْهُ أحدٌ إلاَّ بأنهما لا يستويان ؛ فلذلك عَامَلَتْهُمُ العِبَارَةُ الوجيزةُ على أنهم قد أجابوا ، فقال : { الحمد للَّهِ } أي : على ظهور الحجَّةِ عليكم من أقوالِكم ، وباقي الآية بيِّن .