محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

{ ضرب الله مثلا } أي للمشرك والموحد رجلين مملوكين { رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ } أي سيئو الأخلاق ، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة ، لا يزال متحيرا متوزع القلب ، لا يدري أيهم يرضي بخدمته ، وعلى أيهم يعتمد في حاجته { وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُل } أي : خلص ملكه له ، لا يتجه إلا إلى جهته . ولا يسير إلا لخدمته ، فهمّه واحد ، وقلبه مجتمع { هل يستويان مثلا } أي : صفة وحالا . أي في حسن الحال وراحة البال ؟ كلا . وهكذا حال من يثبت آلهة شتى . لا يزال متحيرا خائفا لا يدري أيهم يعبد ، وعلى ربوبية أيهم يعتمد . وحال من لم يعبد إلا إلها واحدا . فهمّه واحد . ومقصده واحد . ناعم البال . خافض العيش والحال . والقصد أن توحيد المعبود فيه توحيد الوجهة ودرء الفرقة . كما قال تعالى : حكاية عن يوسف عليه السلام : { أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد / القهار } { الحمد لله } قال أبو السعود : تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض ، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى . وأنها نعمة جليلة موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وعبادته . أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل ، أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء ، صنع جميل ولطف تام منه عز وجل ، مستوجب لحمده وعبادته . وقوله تعالى { بل أكثرهم لا يعلمون } إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور ، إلى بيان أن أكثر الناس ، وهم المشركون ، لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره . فيبقون في ورطة الشرك والضلال .