الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (29)

قوله ( تعالى ذكره ) : { ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء } – إلى قوله – { بأحسن الذي كانوا يعملون }[ 28-34 ] .

هذا مثل للمؤمن والكافر ، فالكافر يعبد أربابا كثيرة مختلفين من الشياطين والأصنام . فهو بينهم مقسم وجميعهم مشتركون{[58905]} فيه .

والمؤمن يعبد الله وحده لا شرك{[58906]} لأحد فيه ، قد سلم له عبادته فهو سالم من الإشراك .

قال الفراء : متشاكسون : مختلفون{[58907]} : هذا معنى قول قتادة وهو قول ابن عباس{[58908]} ، وقال مجاهد والضحاك هو مثل للحق والباطل{[58909]} ، والشركاء : الأوثان .

قال الزجاج : ضرب هذا المثل لمن وحد الله عز وجل ( ولم يجعل معه شريكا ){[58910]} .

فالذي وحد الله ثله مثل السالم لرجل لا يشركه فيه غيره .

ومثل الذي عبد غير الله مثل صاحب الشركاء المتشاكسين ، أي : المختلفون العسرون{[58911]} .

وحكى المبرد : متشاكسون : متعاسرون ، من شكس يشكُسُ وهو شَكِسٌ ، مثل عَسُرَ يَعْسُرُ فهو عَسِرٌ . يقال : رجل شَكِسُ أي : عسير{[58912]} لا يرضى بالإنصاف{[58913]} .

وقوله : { هل يستويان مثلا } ، أي : هل يستوي من يخدم جماعة هم فيه شركاء قد اختلفت مراداتهم فيلقى من ( التعب والنصب ما لا قوام ){[58914]} له به من غير أن يبلغ رضى الجميع ، أو الذي يخدم واحدا ينازعه فيه منازع ، إذا أطاع{[58915]} عرف موضع طاعته فأكرمه ، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه{[58916]} .

فالمعنى : أي هذين أحسن حالا وأروح جسما .

قال ابن عباس : هل يستويان مثلا ، أي : هل يستوي من اختلف فيه ومن لم يختلف فيه{[58917]} .

ثم قال : { الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون } أي : الشكر لله{[58918]} كله والحمد كله له{[58919]} دون من سواه ، بل أكثرهم المشركين لا يعلمون الفرق بين من فيه أرباب مشتركون ومن ليس له إلا رب واحد فلجهلهم يعبدون آلهة شتى .

ومعنى : ضرب الله مثلا ( مَثَّلَ الله مثلا ){[58920]} .

وقال ( مثلا ) ولم يقل ( مثلين ) لأنهما كليهما ضربا مثلا واحدا فجرى المثل فيهما بالتوحيد لذلك{[58921]} . كما قال تعالى : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية }{[58922]} .

ولم يقل آيتين إذ كان معناهما واحدا في الآية .


[58905]:(ح): مشركون.
[58906]:(ح): لا شريك.
[58907]:انظر: معاني الفراء 2/419، وإعراب النحاس 4/10، وجامع القرطبي 15/252.
[58908]:انظر: جامع البيان 23/137.
[58909]:انظر: تفسير مجاهد 2/558، وجامع البيان 23/137: كلاهما عن مجاهد فقط.
[58910]:متآكل في (ح). الذي في معاني الزجاج: (ضرب هذا المثل لمن وحَد الله ولمن جعل له شريكا..) 4/352.
[58911]:(ح): العسيرون.
[58912]:(ح): عسر.
[58913]:انظر: إعراب النحاس 4/10 وجامع القرطبي 15/252.
[58914]:(ح): النصب والتعب ما لا قيام.
[58915]:(ح): طاع.
[58916]:(ح): خطيئته.
[58917]:انظر: جامع البيان 23/138.
[58918]:ساقط من (ح).
[58919]:(ح): الله.
[58920]:ساقط من (ح).
[58921]:(ح): وكذلك.
[58922]:المؤمنون آية 51.