قوله جلّ ذكره : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ } .
النَّفْسُ لا تَصْدُقُ ، والقلبُ لا يَكْذِبُ . والتمييز بين النفس والقلب مُشْكِلٌ ومَنْ بَقِيَتْ عليه من حظوظه بقيَّةٌ - وإنْ قَلَّتْ - فليس له أن يَدعَّى بيانَ القلب بل هو بنفسه ما دام عليه شيءٌ من نَفْسِه ، ويجب أن يَتَّهِمَ نَفْسَهُ في كل ما يقع له من نقصان غيره . . هذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يخطب . " كلُّ الناس أفقهُ من عمر . . . امرأة أفقهُ من عمر " .
{ وَلاَ تَجَسَّسُواْ } والعارف لا يتفرغ من شهود الحقِّ إلى شهود الخَلْق . . فكيف يتفرغ إلى تجَسُّسِ أحوالهم ؟ وهو لا يتفرغ إلى نَفْسِه فكيف إلى غيره ؟ { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُمْ بَعْضاً } : لا تحصل الغيبة للخَلق إلاَّ من الغيبةِ عن الحقِّ .
{ أَيَحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً } جاء في التفسير أن المقصود بذلك الغيبة ، وعلى ذلك يدل ظاهر الآية . وأَخَسُّ الكفّار وأَقَلُّهم قَدْراً مَنْ يأَكل الميتةَ . . وعزيزٌ رؤيةُ مَنْ لا يغتاب أحداً بين يديك .
{ 12 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ }
نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء{[804]} بالمؤمنين ، ف { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وذلك ، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة ، وكظن السوء ، الذي يقترن به كثير من الأقوال ، والأفعال المحرمة ، فإن بقاء ظن السوء بالقلب ، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك ، بل لا يزال به ، حتى يقول ما لا ينبغي ، ويفعل ما لا ينبغي ، وفي ذلك أيضًا ، إساءة الظن بالمسلم ، وبغضه ، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه .
{ وَلَا تَجَسَّسُوا } أي : لا تفتشوا عن عورات المسلمين ، ولا تتبعوها ، واتركوا{[805]} المسلم على حاله ، واستعملوا التغافل عن أحواله{[806]} التي إذا فتشت ، ظهر منها ما لا ينبغي .
{ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا } والغيبة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه }
ثم ذكر مثلاً منفرًا عن الغيبة ، فقال : { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } شبه أكل لحمه ميتًا ، المكروه للنفوس [ غاية الكراهة ] ، باغتيابه ، فكما أنكم تكرهون أكل لحمه ، وخصوصًا إذا كان ميتًا ، فاقد الروح ، فكذلك ، [ فلتكرهوا ] غيبته ، وأكل لحمه حيًا .
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } والتواب ، الذي يأذن بتوبة عبده ، فيوفقه لها ، ثم يتوب عليه ، بقبول توبته ، رحيم بعباده ، حيث دعاهم إلى ما ينفعهم ، وقبل منهم التوبة ، وفي هذه الآية ، دليل على التحذير الشديد من الغيبة ، وأن الغيبة من الكبائر ، لأن الله شبهها بأكل لحم الميت ، وذلك من الكبائر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.