لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

الصبر يختلف باختلاف الأغراض التي لأَجْلِها يصبر الصابر ، فالعُبَّاد يصبرون لخوف العقوبة ، والزهاد يصبرون طمعاً في المثوبة ، وأصحاب الإرادة هم الذين صبروا ابتغاء وجهِ ربهم ؛ وشرطُ هذا النوع من الصبر رَفْضُ ما يمنع من الوصول ، واستدامةُ التوقي منه ، فيدخل فيه ترك الشهوات ، والتجردُ عن جميع الشواغل والعلاقات ، فيصبر عن العِلَّةِ والزَّلةِ ، وعن كل شيءٍ يشغل عن الله .

ومما يجب عليه الصبر الوقوفُ على حكم تَعزُّز الحق ، فإنَّه - سبحانه - يتفضِّل على الكافة من المجتهدين ، ويتعزز - خصوصاً- على المريدين ، فيمنحهم الصبر في أيام إرادتهم ، فإذا صَدَقُوا في صبرهم جَادَ عليهم بتحقيق ما طلبوا .

قوله جلّ ذكره : { وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيةً } .

الأغنياء ينفقون أموالَهم . والعُبَّاد ينفقون نفوسَهم ويتحملون صنوف الاجتهاد ، ويصبرون على أداء الفرائض والأوراد . والمريدون ينفقون قلوبهم فيسرعون إلى أداء الفرائض والأوراد ويصبرون إلى أن يبوحَ علم من الإقبال عليهم . وأمَّا المحبون فينفقون أرواحَهم . . وهي كما قيل :

ألستَ لي خَلَفاً ؟ كفى شَرَفَاً *** فما وراءكَ لي قَصْدٌ ومطلوبُ

قوله جلّ ذكره : { وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيْئَةَ أُوَْلئِكَ لَهُمُ عُقْبَى الدَّارِ } .

يعاشرون الناس بِحُسْنِ الخلُق ؛ فيبدأون بالإنصاف ولا يطلبون الانتصاف ، وإِنْ عَامَلَهم أحدٌ بالجفاء قابلوه بالوفاء ، وإِنْ أذنب إليهم قومٌ اعتذروا عنهم ، وإن مرضوا عادوهم .