غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

12

{ والذين صبروا } عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى المصائب { ابتغاء وجه ربهم } لا لأجل أن يقال ما أورعه وما أزهده وما أصبره وغير ذلك من الأغراض الفاسدة ، وإنما يصبر على التكاليف لأنها أحكام المعبود الحق ويصبر على الرزايا لأنها قسمة قسام متصرف في ملكه كيف يشاء ، أو لأنه مشغول بالمقدر والقاضي لا بالقدر والقضاء . وقد يرضى العاشق بالضرب والإيلام لالتذاذه بالنظر إلى وجه معشوقه فهكذا العارف يصبر على البلايا والمحن لاستغراقه في بحر العرفان وفيضان أنوار المعروف عليه . { وأقاموا الصلاة } ولا يمتنع دخول النوافل فيها لقوله : " ما زال العبد يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحببته " . { وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية } يتناول النفل لأنه في السر أفضل ، والفرض لأنه في الجهر أفضل كما مر في أواخر سورة البقرة { ويدرءُون بالحسنة السيئة } أي يدفعون بالتوبة وهي الخصلة الحسنة المعصية . قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل " إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها " وقيل لا يقابلون الشر بالشر وإنما يقابلونه بالخير كما روي عن الحسن : إذا حرموا أعطوا ، وإذا قطعوا وصلوا . وعن ابن عباس : يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيء غيرهم . يروى أن شقيق بن إبراهيم البلخي دخل على عبد الله بن المبارك متفكراً فقال : من أين أتيت ؟ قال : من بلخ . فقال : وهل تعرف شقيقاً ؟ فقال : نعم . فقال : كيف طريقة أصحابه ؟ فقال : إذا منعوا صبروا وإذا أعطوا شكروا فقال عبد الله : هكذا طريقة كلابنا ، وإنما الكاملون الذين إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا . وقيل مراد الآية أنهم إذا رأوا منكراً أمروا بتغييره { أولئك لهم عقبى الدار } عاقبة الدنيا وهي الجنة التي أرادها الله تعالى أن تكون مرجع أهلها . والعقبى مصدر كالعاقبة ومثله البشرى والقربى ، ويجوز أن يكون مضافاً إلى الفاعل والمعنى أولئك لهم أن يعقب أعمالهم الدار التي هي الجنة .

/خ29