تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ) قد ذكرنا في ما تقدم أن الصبر هو كف النفس وحبسها عما تهواه على ما تكره ، ويثقل عليها .

ثم يحتمل كفها وحبسها عن الجزع وعلى أداء ما افترض الله عليهم ، وأمرهم بها ، أو كفر أنفسهم ، وحبسوها عن المعاصي . فيكون الصبر على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( ابتغاء وجه ربهم ) يحتمل وجهين : يحتمل ابتغاء رضوان الله ، ويحتمل ابتغاء وجه يكون لهم عند الله وهو المنزلة [ والرفعة ، ولذلك سمى الرفيع في المنزلة وجيها كقوله : ][ في الأصل وم : وجيها كقوله . في م : ولذلك سمى الرفيع وذو منزلة وجيها ] ( إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ )[ آل عمران : 45 ] أي ذا[ في الأصل وم : ذو ] منزلة ورفعة في الدنيا والآخرة .

وعلى ذلك يخرج قوله : ( فأينما تولوا فتم وجه الله )[ البقرة : 115 ] أي ثم الجهة التي أمر الله أن يتوجه إليها فعلى ذلك هذا ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ) أي ابتغاء المنزلة والرفعة التي عند ربهم وابتغاء رضوان الله ومرضاته ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وأقاموا الصلاة ) أي داوموا على إقامتها ، ليس أنهم أقاموها[ في الأصل وم : أقاموا ] مرة ، ثم تركوها ، ولكن داوموا على إقامتها . وعلى ذلك قوله : ( وأقيموا الصلاة )[ البقرة : 43و . . ] أي داوموا على إقامتها .

ويحتمل قوله : ( وأقاموا الصلاة ) أي جعلوها قائمة أبدا .

وقوله تعالى : ( وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً ) يحتمل كل نفقة : الصدقة والزكاة وما ينفق [ المرء ][ ساقطة من الأصل وم ] على عياله وولده سرا وعلانية ، أي ينفق في كل وقت سرا من الناس وعلانية منهم ، أي ينفق على جهل من الناس وعلى علم منهم ؛ ينفقون على كل حال ، لا يمنعهم على الناس بذلك عن الإنفاق بعد أن يكون ابتغاء وجه ربهم .

وقوله تعالى : ( وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) أي يدفعون بالحسنة السيئة ثم يحتمل وجهين :

أحدهما : أي يدفعون بالإحسان إليهم العداوة التي كانت بينهم كقوله : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )الآية[ فصلت : 34 ] .

والثاني : ( ويدرءون ) الإساءة التي كانت لهم بالخير إليهم بالمعروف ، ولا يكافئون السيء بالسيء ، والشر بالشر ، ولكن يدفعونه بالخير .

وقال بعضهم في قوله : ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) أي إذا سفه عليهم حلموا ، والسفه السيئة والحلم حسنة .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( أولئك هم عقبى الدار ) [ يحتمل وجهين :

أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : عقبى أولئك الذين صبروا على ما ذكر من وفاء العهد والصلة التي أمروا بها أن يصلوا والصبر على أداء ما أمر به ، وافترض عليهم[ في الأصل وم : وجوها أحدها ] والانتهاء عما نهى عنه : الدار الذي دعاهم إليها بقوله : ( والله يدعوا إلى دار السلام )[ يونس : 25 ] .

والثاني : ( أولئك لهم عقبى الدار ) أي عقبى حسناتهم دار الجنة ( أولئك لهم عقبى الدار ) الجنة . أو عاقبتهم دار الجنة .