إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ} (22)

{ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ } على كل ما تكره النفسُ من الأفعال والتروك { ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ } طلباً لرضاه خاصة من غير أن ينظروا إلى جانب الخلقِ رياءً وسُمعةً ، ولا إلى جانب النفس زينةً وعُجْباً ، وحيث كان الصبرُ على الوجه المذكور ، مَلاكَ الأمرِ في كل ما ذكر من الصلاة السابقة واللاحقةِ ، أُورد على صيغة الماضي اعتناءً بشأنه ودِلالةً على وجوب تحققِه ، فإن ذلك مما لا بد منه إما في أنفس الصلات ، كما فيما عدا الأولى والرابعةِ والخامسةِ ، أو في إظهار أحكامِها كما في الصلات الثلاثِ المذكورات فإنها وإن استغنت عن الصبر في أنفسها حيث لا مشقةَ على النفس في الاعتراف بالربوبية والخشيةِ والخوف ، لكن إظهارَ أحكامِها والجريَ على موجبها ، غيرُ خالٍ عن الاحتياج إليه { وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ } المفروضة { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي بعضَه الذي يجب عليهم إنفاقُه { سِرّا } لمن لم يُعرفْ بالمال أو لمن لا يتهم بترك الزكاةِ ، أو عند إنفاقِه وإعطائه مَنْ تمنعه المروءةُ من أخذه ظاهراً { وَعَلاَنِيَةً } لمن لم يكن كما ذكر أو الأول في التطوع والثاني في الفرض .

{ وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة } أي يُجازون الإساءةَ بالإحسان أو يُتْبعون الحسنةَ السيئة فتمحوها . عن ابن عباس رضي الله عنهما : يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيء غيرِهم . وعن الحسن : إذا حُرموا أعطَوا وإذا ظُلموا عفَوا وإذا قُطعوا وصلوا . وعن ابن كيسان : إذا أذنبوا تابوا . وقيل : إذا رأوا منكراً أمروا بتغييره . وتقديمُ المجرور على المنصوب لإظهار كمالِ العنايةِ بالحسنة ، { أولئك } المنعوتون بالنعوت الجليلةِ والملكات الجميلةِ وهو مبتدأٌ خبُره الجملةُ الظرفية أعني قوله تعالى : { لَهُمْ عقبى الدار } أي عاقبةُ الدنيا وما ينبغي أن يكون مآلُ أمرِ أهلها وهي الجنة ، وقيل : الجارُ والمجرور خبرٌ لأولئك و ( عقبى الدار ) فاعل الاستقرار وأياً ما كان فليس فيه قصرٌ حتى يرِد أن بعضَ ما في حيز الصلةِ ليس من العزائم التي يُخلّ إخلالُها بالموصول إلى حسن العاقبة ، والجملةُ خبرٌ للموصولات المتعاطفةِ ، صفاتٌ لأولي الألباب عن طريقة المدحِ من غير أن يُقصد أن يكون للصلات المذكورة مدخلٌ في التذكر .