لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

لو عَصَمَه من نار نمرود ولم يمكنه مِنْ رَمْيه في النار من المنجنيق لكان - في الظاهر - أقرب من النصر ، ولكنَّ حِفْظَه في النار من غير أَنَّ يَمَسَّه أَلَمٌ أتمُّ في باب النصرة والمعجزة والكرامة .

ويقال إن إبراهيم - عليه السلام - كان كثيراً ما يقول : أواه من النار !

قال تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [ التوبة :114 ] .

فلمَّا رُمِيَ في النار ، وجعل اللَّهُ عليه النارَ بَرْدَاً قيل له : لا تقُلْ بعد هذا . أواه من النار ! فالاستعاذةُ بالله مِنَ الله . . . لا من غيره .

قوله : { وسلاماً } : أي وسلامةً عليه وله ، فإنه إذا كان للعبد السلامة فالنارُ والبَرْدُ عنده سِيّان .

ويقال إن الذي يحرق في النار مَنْ في النار يقدر على حِفْظِه في النار .

ولمَّا سَلِمَ قلبُه من غير الله بكل وجهٍ في الاستنصار والاستعانة وسَلِمَ من طَلَبِ شيءٍ بكلِّ وجهٍ . . . تعرَّض له جبريلُ - عليه السلام - في الهواء وقد رمي من المنجنيق وقال له :

هل مِنْ حاجة ؟

فقال : أمَّا إليكَ . . فَلاَ !

فجعل اللَّهُ النار عليه برداً وسلاماً ؛ إذ لمَّا كان سليمَ القلبِ من الأغيار وَجَد سلامة النَّفْسِ من البلايا والأعلال .