الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

ثم قال تعالى ذكره : { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم }[ 68 ] .

في الكلام حذف ، والتقدير : فأوقدوا له نارا{[46083]} ، وألقوه فيها ، فقلنا يا نار كوني بردا وسلاما .

قال السدي{[46084]} : حبسوه في بيت ، وجمعوا له حطبا ، حتى إن كانت المرأة{[46085]} لتمرض ، فتقول : إن عافاني الله ، لأجمعن حطبا لإبراهيم . فلما جمعوا وأكثروا ، بنوا بنيانا وأوقدوا النار حتى أن الطير لتمر بها فتحترق من شدة وهجها وحرها . ثم عمدوا إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ، فَرَفعوه على رأس البنيان ، فرفع إبراهيم عليه السلام رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة : ربنا إبراهيم يحرق فيك . فقال جل عز : أنا أعلم به ، وإن دعاكم فأغيثوه{[46086]} . وقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه إلى/السماء : اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض من يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل . فقذفوه في النار فناداها ( يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ) . فكان جبريل ، هو الذي ناداها ) .

وقال أرقم{[46087]} ( إن{[46088]} إبراهيم عليه السلام حين جعلوا يوثقونه ليلقوه في النار قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ) .

قال كعب : ( ما انتفع أحد من أهل الأرض ، يومئذ بنار ، ولا أحرقت النار يومئذ شيئا إلا وثاق إبراهيم عليه السلام{[46089]} .

قال ابن عباس : ( لو لم يتبع{[46090]} بدرها سلاما لمات إبراهيم من بردها . فلم تبق يومئذ نار في الأرض{[46091]} إلا طفئت ظنت أنها هي تعنى{[46092]} . فلما طفئت النار ، نظروا إلى إبراهيم عليه السلام ، فإذا هو ورجل آخر معه ، وإذا رأس إبراهيم صلى الله عليه وسلم في حجره يمسح عن وجهه العرق . وذكر{[46093]} أن ذلك الرجل هو ملك الظل . وأنزل الله تعالى نارا فانتفع بها بنو آدم وأخرجوا إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأدخلوه على الملك نمرود ولم يكن قبل ذلك دخل عليه ){[46094]} .

قال كعب : ما أحرقت النار منه إلا وثاقه{[46095]} .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( لولا أنه قال : ( وسلاما ) لقتله بردها ){[46096]} .

قال بكر بن عبد الله{[46097]} : لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ، قالت الخليقة : يا رب ، خليلك يلقى في النار ؟ فأذن لنا حتى ننصره . فقال الله عز وجل : هو خليلي ، ليس لي خليل غيره . وأنا إلهه ليس له إله غيري{[46098]} ، فإن استغاث بكم فأغيثوه . فجاء ملك القطر فقال : يا رب ، إئذن لي فلأطفينها عنه . فقال الله عز وجل هو خليلي ليس لي خليل غيره ، وأنا إلهه ، ليس له إله{[46099]} غيري إن استغاث بك فأغثه . فقال الله عز وجل : { قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } . فما أحرقت ذلك اليوم عراكا{[46100]} .

وقال قتادة : ( كانت الدواب كلها تطفئ عن إبراهيم النار إلا الوزغ ){[46101]} .

وروي{[46102]} عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما كنت أياما قط أنعم مني{[46103]} من الأيام التي كنت فيها في النار .

ولما رفع عن إبراهيم الطبق{[46104]} ورآه والده{[46105]} يرشح جبينه ، قال عند ذلك : نعم الرب ربك يا إبراهيم ، فكان ذلك أحسن شيء قاله : أبو إبراهيم{[46106]} .

قال{[46107]} : ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين ، وكان مذبحه من بيت إيليا على ميلين ولما علمت سارة بما أراد بإسحاق بطنت{[46108]} يومين وماتت في اليوم الثالث{[46109]} .

وروى معتمر بن سليمان{[46110]} أن جبريل صلى الله عليه وسلم لما جاء إبراهيم وهو يوثق ويقمط{[46111]} ليلقى في النار . قال يا إبراهيم : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك ، فلا .

ويروى أن إبراهيم كان في زمان نمرود ، فلما كسر إبراهيم صلى الله عليه وسلم أصنامهم كما قص{[46112]} الله علينا في كتابه بنى نمرود بناء طوله ثمانون ذراعا في عرضه أربعون{[46113]} ذراعا ، وأوقد فيه النيران ، ثم جعل إبراهيم في منجنيق فقذف به في النار ، فقال الله جل ذكره للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فبردت ذلك اليوم ، فلم ينتفع بها أحد . ولولا ما قال تعالى { وسلاما } لآذت إبراهيم ببردها .

وروي{[46114]} أن جبريل عليه السلام أتى إبراهيم وهو في المنجنيق ، فقال يا إبراهيم ، سلني حوائجك ، إن كنت تريد أن أجعل الأرض عليهم عاليها سافلها فعلت . فقال إبراهيم عليه السلام : إني رفعت حوائجي إلى الله ، ولست أسأل أحدا غيره . فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : لو كان ينبغي لله أن يتخذ خليلا ، لاتخذك خليلا . فاتخذ الله إبراهيم خليلا ، فلما رمي إبراهيم في النار ، أشرف نمرود ينظر إلى النار فرأى فيها عدة يذهبون ويجيئون ، فدعا حاجبه ، وفتح بابه ، وأدخل عليه أشراف قومه فقال لهم : كم طرحتم في النار ؟ فقالوا : إبراهيم وحده . قال فهو هذا معه عدة{[46115]} قد صار الجحيم عليهم مثل الأرض ، فركب نمرود حتى أتى النار فصاح : يا إبراهيم ، فقال إبراهيم{[46116]} : ما تشاء . قال : إنك لحي ، قال نعم والحمد لله . قال : فمن هؤلاء النفر معك ؟ قال : ملائكة ربي . قال : تقدر أن تخرج ؟ قال : نعم . قال : فاخرج . فانفرج/له الجحيم فخرج صلى الله عليه وسلم وقد زاده الله جمالا ونورا . فقال نمرود : إنك لكريم على ربك . فقال إبراهيم : كذا هو لمن{[46117]} أطاعه . فقال نمرود : أتراني إن تقربت{[46118]} إليه بقربان يقبله مني ؟ فقال إبراهيم : إنما يتقبل الله من المتقين . فذبح نمرود أربعة آلاف كبش . فأكل الناس منها حتى أكل الطير{[46119]} والسباع والهوام . ثم قال يا إبراهيم أرني جند ربك الذي{[46120]} تهددني بهم فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم : اللهم أره أضعف جندك . فنزلت سحابة فقال إبراهيم : في هذه جند ربي فقال : أرينهم . فانتشر منها بعوض فما برح نمرود حتى رأى عظام من حضر من أصحابه ، وعظام{[46121]} خيلهم قد أكلتهم البعوض إلا العظام .

ثم وقعت واحدة في شفة نمرود السفلى فصاح حتى أمر بها فقطعت ، فارتفعت إلى شفته العليا ، فاستغاث فقطعت ، ثم دخلت في منخره ، فما كان يهدأ ليلا ولا نهارا . وكان يضرب رأسه بمرزبة من حديد ، فأقام في ذلك أربع مائة سنة .

وقال الحسن : لما ألقي إبراهيم صلى الله عليه وسلم في النار ، لم يؤذه حرها ، فقالوا : سحرها فما لها حر .

ويروى أنهم بنوا له بنيانا ارتفاعه أربعون ذراعا وطوله على وجه الأرض ثمانون ذراعا ، فأوقدوا فيه النار ، ووضعوا إبراهيم عليه السلام في المنجنيق وألقوه في الجحيم ، فقال الله تعالى للنار : كوني بردا وسلاما على إبراهيم ، ولو لم يقل تعالى ذكره ( وسلاما ) لمات إبراهيم من البرد في وسط النار ، فكان إبراهيم جالسا في النار على زرابية من الجنة .

قال الحسن : فلما رأوه لا يؤذيه حرها ، قالوا : سحرها . فقال لهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم : جربوها برجل منكم . فألقوا{[46122]} فيها رجلا فأكلته .

ويروى عنه أنه قال : لما أوثقوه ليلقوه في النار ، قال : لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك .

وذكر الشعبي عن عبد الله بن عمر أنه قال : لما ألقي{[46123]} إبراهيم في البنيان والنار ، قال حسبي الله ونعم الوكيل . فقال الله : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم .

وقال زيد بن أسلم : قال إبراهيم حين أرادوا أن يلقوه في النار : اللهم أنت{[46124]} إلهي ، الواحد في السماء وأنا عبدك الواحد في الأرض حسبي الله ونعم الوكيل . فقال الله تعالى للنار : كوني بردا وسلاما على إبراهيم .


[46083]:ز: النار.
[46084]:انظر: جامع البيان 17/43-44 وحاشية الصاوي 3/82.
[46085]:ز: حتى أن المرأة كانت.
[46086]:ز: فاغثوه. (تحريف).
[46087]:انظر: جامع البيان 17/45 وحاشية الصاوي 3/82. والقائل هو أرقم بن شرحبيل أخو هزيل الأودي كوفي سمع ابن مسعود، روى عنه أبو قيس وأبو إسحاق. انظر: التاريخ الكبير 2/46.
[46088]:إن سقطت من ز.
[46089]:انظر: جامع البيان 17/45.
[46090]:ز : ينتفع.
[46091]:في الأرض سقطت من ز.
[46092]:ز: نعتا. (تحريف).
[46093]:غ: وذلك. والتصحيح من ز.
[46094]:انظر: جامع البيان 17/44 وفتح القدير 3/415.
[46095]:انظر: جامع البيان 17/44.
[46096]:انظر: جامع البيان 17/44 وفتح القدير 3/415.
[46097]:انظر: القصة بطولها في حاشية الصاوي 3/82، والقائل هو بكر بن عبد الله بن عمرو المزني، أبو عبد الله البصري، روي عن أنس بن مالك وابن عباس وابن عمر والمغيرة بن شعبة وأبي رافع والحسن البصري وغيرهم كان ثقة ثبتا فقيها. (ت: 108 هـ) له ترجمة في: تهذيب التهذيب 1/484 وشذرات الذهب 1/135.
[46098]:(وأنا إلهه ليس له إله غيري) سقط من ز.
[46099]:إله سقطت من ز.
[46100]:ز: إكراها. (تحريف).
[46101]:انظر: جامع البيان 17/45 وحاشية الصاوي 3/82.
[46102]:انظر: جامع البيان 17/44 وفتح القدير 3/416.
[46103]:ز: أنعم الله علي.
[46104]:ز: الطين. (تحريف).
[46105]:ز: والده. (تحريف).
[46106]:ز: فكان ذلك شيء قاله إبراهيم. (تحريف).
[46107]:هو وهب بن سليمان الجندي اليماني عن شعيب الجباني. انظر: التاريخ الكبير
[46108]:ز: نظرت. (تحريف).
[46109]:انظر: جامع البيان 17/45. ويلاحظ في هذه الرواية أن الذبيح هو إسحاق لا إسماعيل. وهذا يدل على أن هذه الرواية من الإسرائيليات التي ساقها الطبري، ونقلها عنه مكي دون تمحيص ونقد. والادعاء بأن الذبيح هو إسحاق، هو عقيدة التوراة المحرفة، وذلك مخالف لنص القرآن الكريم. قال تعالى في سورة الصافات الآيات 101 وبعدها. {فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يأبت افعل ما تومر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} إلى أن قال {إنه من عباد المومنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} فالبشرى بإسحاق جاءت بعد قصة الذبيح الذي هو إسماعيل. انظر: هذه المسألة بتفصيل في كتاب الدكتور أحمد شلبي مقارنة الأديان 1/135 (اليهودية).
[46110]:انظر: جامع البيان 17/45، والراوي هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، أبو محمد البصري (ت: 186 هـ أو 187 هـ). انظر: ترجمته في تهذيب التهذيب 10/227.
[46111]:القماط، شد كشد الصبي في المهد. وفي غير المهد، إذا ضم أعضاؤه إلى جسده ثم لف عليه القمطان. انظر اللسان (قمط).
[46112]:ز: نص.
[46113]:ز: أربعين.
[46114]:انظر: زاد المسير 5/366 وحاشية الصاوي 3/82.
[46115]:عدة سقطت من ز.
[46116]:يا إبراهيم سقط من ز.
[46117]:ز: هكذا يفعل عن.
[46118]:ز: تقربنا.
[46119]:ز: الطيور.
[46120]:ز: الذين.
[46121]:(من حضر من أصحابه وعظام) ساقط من ز. بانتقال النظر.
[46122]:ز: فألقى.
[46123]:ز: ألقوا.
[46124]:أنت سقطت من ز.