غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

51

{ قلنا } عن السدي أن القائل هو جبرائيل عليه السلام والأكثرون على أنه سبحانه . وذهب أبو مسلم الأصفهاني إلى أنه لا قول هناك بل أراد به الجعل لأن النار جماد فلا فائدة في خطابه . ويمكن أن يجاب بأن الله قادر على أن يخلق لها فهماً يصح به التخاطب ، ولو سلم فلعل في ذلك الخطاب مصلحة للملائكة . والظاهر أن قوله { يا نار } خطاب لتلك النار المخصوصة فإن الغرض يتعلق ببردها فقط وفي النار منافع للخلائق ، فلا يحسن من الكريم إبطالها . وقيل : المذكور اسم الماهية فلا بد من حصول البرد في تلك الماهية أينما وجدت ، ويناسبه رواية مجاهد عن ابن عباس أنه لم يبق يومئذ في الدنيا ونار إلا طفئت . واختلفوا في أن النار كيف بردت ؟ فقيل : إنه تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والإحراق وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق والله على كل شيء قدير . وقيل : خلق في جسد إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار كما يفعل بخزنة جهنم ، وكذلك في النعامة لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة ، والسمندل ولا يؤذيه المقام في النار . وقيل : جعل بينه وبين النار حائلاً منع وصول اثر النار إليه . والمحققون على القول الأول لأن النص دل ظاهره على أن نفس النار صارت باردة ، وليست الحرارة جزءاً من مسمى النار حتى يمتنع كونها ناراً وهي باردة ، وأما على القولين الآخرين فيلزم أن لا يحصل البرد فيها وهو خلاف النص قوله { وسلاماً } أي ذات برد وسلام فبولغ في ذلك حتى كأن ذاتها برد وسلام . والمعنى ابردي حتى يسلم منك إبراهيم ، أو ابردي برداً غير ضار ويناسبه ما روي عن ابن عباس لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها . وقوله { على إبراهيم } حال من فاعل الكون أو متعلق بالبرد والسلام ، ولولا هذا القيد لكانت النار برداً على كافة الخلق .

/خ91