فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

{ قلنا } في الكلام حذف تقديره : فأضرموا النار وذهبوا بإبراهيم إليها فعند ذلك قلنا : { يا نار كوني بردا وسلاما } أي ذات برد وسلام ؛ أي أبردي بردا غير ضار ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للمبالغة .

قيل وانتصاب { سلاما } على أنه مصدر أي وسلمنا سلاما .

{ على إبراهيم } ولو لم يقل { على إبراهيم } لما أحرقت نار ولا اتقدت ، قاله أبو حيان في البحر ، عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم ما جمع ، وألقي في النار جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر ؟ فأرسله فكان أمر الله أسرع ، قال الله : { كوني بردا وسلاما } فلم تبقى في الأرض نار إلا طفئت .

وأخرج أحمد وابن ماجة وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله وهو سام أبرص ) {[1207]} ، وذكر بعض الحكماء أن الوزغ لا يدخل بيتا فيه زعفران وأنه يبيض قاله ابن لقيمة .

وعن ابن عمر قال : أول كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار حسبنا الله ونعم الوكيل ، أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر ، وعن السدي قال : كان جبريل هو الذي ناداها أي النار ، وعن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها سلاما ، لمات إبراهيم من بردها ، وعن عليّ نحوه .

وعن معتمر بن سليمان التيمي قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار ، فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا ، وعن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها .

وعن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار ، فكان فيها إما خمسين وإما أربعين ، فقال : ما كنت أياما وليالي قط أطيب عيشا إذ كنت فيها ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها .


[1207]:الإمام أحمد 6/280- البخاري كتاب الأنبياء باب8.