محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

{ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } .

{ قُلْنَا } أي تعجيزا لهم ولأصنامهم ، وعناية بمن أرسلناه ، وتصديقا له في إنجاء من آمن به { يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا } أي باردة على إبراهيم ، مع كونك محرقة للحطب { وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ } ، أي ولا تنتهي في البرد إلى حيث يهلكه ، بل كوني غير ضارة . وجوز كون سلاما منصوبا بفعله . والأمر مجاز عن التسخير ؛ كما في قوله : { كونوا قردة } ففيه استعارة بالكناية بتشبيهها بمأمور مطيع ، وتخييلها الأمر والنداء ، ولذا قال أبو مسلم : المعنى أنه سبحانه وتعالى جعل النار بردا وسلاما ، لا أن هناك كلاما ، كقوله : { أن يقول له كن فيكون } أي فيكونه . فإن النار جماد ولا يجوز خطابه . وهو ظاهر .

تنبيه :

قال الرازي : لهم في كيفية برودة النار ثلاثة أقوال : أحدها – أن الله تعالى أزال عنها ما فيها من الحر والاحتراق ، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق . والله على كل شيء قدير .

وثانيهما – أن الله تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار إليه . كما فعل بخزنة جهنم في الآخرة . وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة ، وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار .

وثالثها – أنه سبحانه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول أثر النار إليه .

قال المحققون : والأول أولى لأن ظاهر قوله : { يا نار كوني بردا } أن نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها ، لا أن النار بقيت كما كانت .