الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ} (69)

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما جمع لإبراهيم عليه السلام ما جمع وألقي في النار ، جعل خازن المطر يقول : متى أومر بالمطر فأرسله ؟ فكان أمر الله أسرع ، قال الله : { كوني برداً وسلاماً } فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت .

وأخرج أحمد والطبراني وأبو يعلى وابن أبي حاتم ، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن إبراهيم حين ألقي في النار لم تكن في الأرض دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ ، فإنه كان ينفخ على إبراهيم » فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله .

وأخرج ابن مردويه عن أم شريك ، «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ وقال : «كانت تنفخ على إبراهيم » .

وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، أخبرنا معمر عن قتادة عن بعضهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كانت الضفدع تطفئ النار عن إبراهيم ، وكانت الوزغ تنفخ عليه ، ونهى عن قتل هذا وأمر بقتل هذا » .

وأخرجه ابن المنذر فقال : أخبرنا أبو سعيد الشامي عن أبان عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا الضفدع ، فإن صوته تسبيح وتقديس وتكبير ، إن البهائم استأذنت ربها في أن تطفئ النار عن إبراهيم فأذن للضفادع ، فتراكبت عليه فأبدلها الله بحر النار برد الماء » .

وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما ألقي إبراهيم في النار قال : اللهم إنك في السماء واحد ، وأنا في الأرض واحد أعبدك » .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر ، عن ابن عمرو قال : أول كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار ، حسبنا الله ونعم الوكيل .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن كعب قال : ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال بن عمرو قال : أخبرت أن إبراهيم ألقي في النار فكان فيها إما خمسين وإما أربعين ، قال : ما كنت أياماً وليالي قط أطيب عيشاً إذ كنت فيها ، وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها .

وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : لما ألقي إبراهيم خليل الرحمن في النار قال الملك خازن المطر : يا رب ، إن خليلك إبراهيم رجا أن يؤذن له فيرسل المطر ، فكان أمر الله أسرع من ذلك فقال : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } فلم يبق في الأرض نار إلا طفئت .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : الذي قال حروقه ، هبون . فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { قلنا يا نار } قال : كان جبريل هو الذي قالها .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : لو لم يتبع بردها { سلاماً } لمات إبراهيم من بردها ، فلم يبق في الأرض يومئذ نار إلا طفئت ، ظننت أنها هي تعنى .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر ، عن علي في قوله : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً } قال : لولا أنه قال : { وسلاماً } لقتله بردها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن شمر بن عطية قال : لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ، نادى الملك الذي يرسل المطر : رب ، خليلك رجا أن يؤذن له فيرسل المطر . فقال الله : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } فلم يبق في الأرض يومئذ نار إلا بردت .

وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد من طريق أبي هلال ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار ، جاءت عامة الخليقة فقالت : «يا رب ، خليلك يلقى في النار فائذن لنا نطفئ عنه . قال : هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا إلهه ليس له إله غيري ، فإن استغاثكم فأغيثوه ، وإلا فدعوه » قال : وجاء ملك القطر قال : «يا رب ، خليلك يلقى في النار فائذن لي أن أطفئ عنه بالقطر . قال : هو خليلي ليس لي في الأرض خليل غيره ، وأنا إلهه ليس له إله غيري ، فإن استعان بك فأعنه وإلا فدعه » . قال : فلما ألقي في النار دعا بدعاء نسيه أبو هلال فقال الله عز وجل : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } قال : فبردت في المشرق والمغرب فما أنضجت يومئذ كراعاً .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير ، عن قتادة قال : قال كعب : ما انتفع أحد من أهل الأرض يومئذ بنار ولا أحرقت النار يومئذ شيئاً ، إلا وثاق إبراهيم .

وقال قتادة : لم تأت دابة يومئذ إلا أطفأت عنه النار ، إلا الوزغ .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال : يذكرون أن جبريل كان مع إبراهيم في النار يمسح عنه العرق .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية قال : لما ألقي إبراهيم في النار قعد فيها ، فأرسلوا إلى ملكهم فجاء ينظر متعجباً . . . ! فطارت منه شرارة فوقعت على إبهام رجله فاشتعل كما تشتعل الصوفة .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : خرج إبراهيم من النار يعرق لم تحرق النار إلا وثاقه ، فأخذوا شيخاً منهم فجعلوه على نار كذلك فاحترق .

وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن صرد . وكان قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن إبراهيم لما أرادوا أن يلقوه في النار ، جعلوا يجمعون له الحطب فجعلت المرأة العجوز تحمل على ظهرها ، فيقال لها : أين تريدين ؟ فتقول : أذهب إلى هذا الذي يذكر آلهتنا . فلما ذهب به ليطرح في النار { قال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } [ الصافات : 99 ] فلما طرح في النار قال : حسبي الله ونعم الوكيل . فقال الله : { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } فقال أبو لوط - وكان عمه - إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني . فأرسل الله عنقاً من النار فأحرقته .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير ، عن علي بن أبي طالب في قوله : { قلنا يا نار كوني برداً } قال : بردت عليه حتى كادت تؤذيه ، حتى قيل : { وسلاماً } قال : لا تؤذيه .

وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لو لم يقل : { وسلاماً } لقتله البرد .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إن أحسن شيء قاله أبو إبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار ، وجده يرشح جبينه فقال عند ذلك : نعم الرب ربك يا إبراهيم .

وأخرج ابن جرير عن شعيب الجبائي قال : ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة ، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين .

وأخرج ابن جرير عن معتمر بن سليمان التيمي ، عن بعض أصحابه قال : جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى في النار قال : يا إبراهيم ، ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا .

وأخرج ابن جرير عن أرقم ، أن إبراهيم عليه السلام قال : حين جعلوا يوثقونه ليلقوه في النار : «لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك » .

وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً } قال : السلام لا يؤذيه بردها ، ولولا أنه قال : { سلاماً } لكان البرد أشد عليه من الحر .