في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم يطمئن المؤمنين على صواب ما أوقعوه بهؤلاء الذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من تقطيع نخيلهم وتحريقه ، أو تركه كذلك قائما ، وبيان حكم الله فيه . وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا :

( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ، وليخزي الفاسقين ) . . واللينة الجيدة من النخل ، أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك . وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود ، وأبقوا بعضه . فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك . وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق . فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص ، يطمئن القلوب . فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله . فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة ؛ وأراد فيها ما أراد ، وأنفذ فيها ما قدره ، وكان كل ما وقع من هذا بإذنه . أراد به أن يخزي الفاسقين . وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه ؛ وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته . وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء .

بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة ، وتشفى صدورهم مما حاك فيها ، وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل . والله فعال لما يريد . وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ } هي النخلة مطلقاً على ما قال الحسن . ومجاهد . وابن زيد . وعمرو بن ميمون . والراغب وهي فعلة من اللون وياؤها مقلوبة من واو لكسر ما قبلها كديمة ، وتجمع على ألوان ، وقال ابن عباس . وجماعة من أهل اللغة : هي النخلة ما لم تكن عجوة ، وقال أبو عبيدة . وسفيان : ما تمرها لون وهو نوع من التمر ، قال سفيان : شديد الصفرة يشف عن نواه فيرى من خارج ، وقال أبو عبيدة أيضاً : هي ألوان النخل المختلطة التي ليس فيها عجوة ولا برنى ، وقال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه : هي العجوة ، وقال الأصمعي : هي الدقل ، وقيل : هي النخلة القصيرة ، وقال الثوري : الكريمة من النخل كأنهم اشتقوها من اللين فتجمع على لين ، وجاء جمعها لياناً كما في قول أمرىء القيس

: وسالفة كسحوق الليا *** ن أضرم فيه القويّ السعر

وقيل : هي أغصان الأشجار للينها ، وهو قول شاذ ، وأنشدوا على كونها بمعنى النخلة سواء كانت من اللون أو من اللين قول ذي الرمة

: كأن قنودي فوقها عش طائر *** على لينة سوقاء تهفو جنوبها

ويمكن أن يقال : أراد باللينة النخلة الكريمة لأنه يصف الناقة بالعراقة في الكرم فينبغي أن يرمز في المشبه به إلى ذلك المعنى ، و { مَا } شرطية منصوبة بقطعتم و { مّن لّينَةٍ } بيان لها ، وأنث الضمير في قوله تعالى : { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا } أي أبقيتموها كما كانت ولم تتعرضوا لها بشيء مّا ، وجواب الشرط قوله سبحانه : { فَبِإِذْنِ الله } أي فذلك أي قطعها أو تركها بأمر الله تعالى الواصل إليكم بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم أو بإرادته سبحانه ومشيئته عز وجل ، وقرأ عبد الله . والأعمش . وزيد بن علي قوماً على وزن فعل كضرب جمع قائم ، وقرئ قائماً اسم فاعل مذكر على لفظ ما ، وأبقى أصولها على التأنيث ، وقرئ أصلها بضمتين ، وأصله { أُصُولِهَا } فحذفت الواو اكتفاءً بالضمة أو هو كرهن بضمتين من غير حذف وتخفيف .

{ وَلِيُخْزِىَ * الفاسقين } متعلق بمقدر على أنه علة له وذلك المقدر عطف على مقدر آخر أي ليعز المؤمنين وليخزي الفاسقين أي ليذلهم أذن عز وجل في القطع والترك ، وجوز فيه أن يكون معطوفاً على قوله تعالى : { بِإِذنِ الله } وتعطف العلة على السبب فلا حاجة إلى التقدير فيه ، والمراد بالفاسقين أولئك الذين كفروا من أهل الكتاب ، ووضع الظاهر موضع المضمر إشعاراً بعلة الحكم ، واعتبار القطع والترك في المعلل هو الظاهر وإخزاؤهم بقطع اللينة لحسرتهم على ذهابها بأيدي أعدائهم المسلمين وبتركها لحسرتهم على بقائها في أيدي أولئك الأعداء كذا في الانتصاف .

قال بعضهم : وهاتان الحسرتان تتحققان كيفما كانت المقطوعة والمتروكة لأن النخل مطلقاً مما يعز على أصحابه فلا تكاد تسمح أنفسهم بتصرف أعدائهم فيه حسبما شاؤوا وعزته على صاحبه الغارس له أعظم من عزته على صاحبه غير الغارس له ، وقد سمعت بعض الغارسين يقول : السعفة عندي كأصبع من أصابع يدي ، وتحقق الحسرة على الذهاب إن كانت المقطوعة النخلة الكريمة أظهر ، وكذا تحققها على البقاء في أيدي أعدائهم المسلمين إن كانت هي المتروكة ، والذي تدل عليه بعض الآثار أن بعض الصحابة كان يقطع الكريمة وبعضهم يقطع غيرها وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم لما أفصح الأول بأن غرضه إغاظة الكفار ، والثاني بأنه استبقاء الكريمة للمسلمين ، وكان ذلك أو نزول المسلمين على أولئك الكفرة ومحاصرتهم لهم ، فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام أمر في صدر الحرب بقطع نخيلهم فقالوا : يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها ؟ا فنزلت الآية { مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ } الخ ، ولم يتعرض فيها للتحريق لأنه في معنى القطع فاكتفى به عنه ، وأما التعرض للترك مع أنه ليس بفساد عندهم أيضاً فلتقرير عدم كون القطع فساداً لنظمه في سلك ما ليس بفساد إيذاناً بتساويهما في ذلك .

واستدل بالآية على جواز هدم ديار الكفرة وقطع أشجارهم وإحراق زروعهم زيادة لغيظهم ، وحاصل ما ذكره الفقهاء في المسألة أنه إن علم بقاء ذلك في أيدي الكفرة فالتخريب والتحريق أولى ، وإلا فالإبقاء أولى ما لم يتضمن ذلك مصلحة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

قوله : { ما قطعتم من لّينة أو تركتموها قائمة على أصولها } اللينة مفرد وجمعه اللين . وهو كل نوع من أنواع النخل سوى العجوة{[4497]} والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل حصون بني النضير عقب نقضهم العهد أمر بقطع نخيلهم وإحراقها . واختلفوا في عدد النخلات التي قطعت أو حرقت . فقيل : إن مجموع ما قطعه المسلمون من نخيلهم وأحرقوه ست نخلات . وقيل : قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة وقد أقرّهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .

على أن المقصود من قطع النخيل لبني النضير ، هو إضعافهم والتضييق عليهم من أجل الخروج . فأخبر الله بعد ذلك أن قطع النخل إنما كان بإذن الله أي بأمره وقدره . وقد كان ذلك ردا لمقالة يهود ، إذ بعثوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك تنهى عن الفساد فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله الآية { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } أي أن قطعها لم يكن فسادا وإنما كان بأمر الله ليذل الخارجين عن طاعته وهم بنو النضير{[4498]} .


[4497]:المعجم الوسيط جـ 2 ص 850.
[4498]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 331 –333 وتفسير الطبري جـ 28 ص 23، 24.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ما قطعتم من لينة} وكانوا قطعوا أربع نخلات كرام عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم غير العجوة، {أو تركتموها قائمة على أصولها} هو كله.

{فبإذن الله} يعني بأمر الله {وليخزي الفاسقين} لكي يخزى الفاسقين وهم اليهود بقطع النخل، فكان قطع النخل ذلا لهم وهوانا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ما قطعتم من ألوان النخل، أو تركتموها قائمة على أصولها.

اختلف أهل التأويل في معنى اللينة؛ فقال بعضهم: هي جميع أنواع النخل سوى العجوة...

وقال آخرون: النخل كله لينة، العجوة منه وغير العجوة... وقال آخرون: هي لون من النخل...

وقال، آخرون: هي كرام النخل...

والصواب من القول في ذلك قول من قال: اللينة: النخلة، وهن من ألوان النخل ما لم تكن عجوة...

وإنما أُنزلت هذه الآية فيما ذُكر من أجل أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لما قطع نخل بني النضير وحرّقها، قالت بنو النضير لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إنك كنت تنهى عن الفساد وتعيبه، فما بالك تقطع نخلنا وتُحرقها؟ فأنزل الله هذه الآية، فأخبرهم أن ما قطع من ذلك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أو ترك، فعن أمر الله فعل.

وقال آخرون: بل نزل ذلك لاختلاف كان من المسلمين في قطعها وتركها...حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا يزيد بن رومان، قال: لما نزل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بهم، يعني ببني النضير تحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بقطع النخل، والتحريق فيها، فنادوْه: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟ فأنزل الله عزّ وجلّ:"مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ"

وقوله: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) يقول: فبأمر الله قطعتم ما قطعتم، وتركتم ما تركتم، وليغيظ بذلك أعداءه، ولم يكن فسادًا...

وقوله: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) وليذلّ الخارجين عن طاعة الله عزّ وجلّ، المخالفين أمره ونهيه، وهم يهود بني النضير.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

اتفق العلماء أنّ حصون الكفرة وديارهم لا بأس بأن تهدم وتحرق وتغرق وترمى بالمجانيق. وكذلك أشجارهم لا بأس بقلعها مثمرة كانت أو غير مثمرة، وعن ابن مسعود: قطعوا منها ما كان موضعا للقتال. وروى: أن رجلين كانا يقطعان: أحدهما العجوة، والآخر اللون، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا: تركتها لرسول الله، وقال هذا: قطعتها غيظاً للكفار. وقد استدل به على جواز الاجتهاد، وعلى جوازه بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما بالاجتهاد فعلا ذلك، واحتج به من يقول: كل مجتهد مصيب.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما دل سبحانه على عزته وحكمته بما فعل ببني النضير الذين يقولون إنهم أشجع الناس وأشدهم شكيمة بما لهم من الأصالة والاصطفاء على العالمين، مع التأييد بالكتاب والحكمة، وختم بأن من شاق رسوله فقد شاقه، ومن شاقه فقد شدد عقابه، أتبعه بيان ما عاقبهم به من قطع الصحابة رضي الله عنهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لنخلهم الذي هو أعز عليهم من أبكارهم وهم ينظرون إليه لا يغنون شيئاً ولا منعة لديهم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يطمئن المؤمنين على صواب ما أوقعوه بهؤلاء الذين كفروا وشاقوا الله ورسوله من تقطيع نخيلهم وتحريقه، أو تركه كذلك قائما، وبيان حكم الله فيه. وقد دخل نفوس بعض المسلمين شيء من هذا:

(ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله، وليخزي الفاسقين).. واللينة الجيدة من النخل، أو نوع جيد منه معروف للعرب إذ ذاك. وقد قطع المسلمون بعض نخل اليهود، وأبقوا بعضه. فتحرجت صدورهم من الفعل ومن الترك. وكانوا منهيين قبل هذا الحادث وبعده عن مثل هذا الاتجاه في التخريب والتحريق. فاحتاج هذا الاستثناء إلى بيان خاص، يطمئن القلوب. فجاءهم هذا البيان يربط الفعل والترك بإذن الله. فهو الذي تولى بيده هذه الموقعة؛ وأراد فيها ما أراد، وأنفذ فيها ما قدره، وكان كل ما وقع من هذا بإذنه. أراد به أن يخزي الفاسقين. وقطع النخيل يخزيهم بالحسرة على قطعه؛ وتركه يخزيهم بالحسرة على فوته. وإرادة الله وراء هذا وذاك على السواء.

بذلك تستقر قلوب المؤمنين المتحرجة، وتشفى صدورهم مما حاك فيها، وتطمئن إلى أن الله هو الذي أراد وهو الذي فعل. والله فعال لما يريد. وما كانوا هم إلا أداة لإنفاذ ما يريد.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف ابتدائي أفضى به إلى المقصد من السورة عن أحكام أموال بني النضير وإشارة الآية إلى ما حدث في حصار بني النضير وذلك أنهم قبل أن يستسلموا اعتصموا بحصونهم فحاصرهم المسلمون وكانت حوائطهم خارج قريتهم وكانت الحوائط تسمى البُويرة -بضم الباء الموحدة وفتح الواو وهي تصغير بؤر بهمزة مضمومة بعد الباء فخففت واواً- عمد بعض المسلمين إلى قطع بعض نخيل النضير قيل بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وقيل بدون أمره ولكنه لم يغيره عليهم. فقيل كان ذلك ليوسعوا مكاناً لمُعسكرهم، وقيل لتخويف بني النضير ونكايتهم، وأمسك بعض الجيش عن قطع النخيل وقالوا: لا تقطعوا مما أفاء الله علينا. وقد ذكر أن النخلات التي قطعت ست نخلات أو نخلتان. فقالت اليهود: يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر، وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض فأنزل الله هذه الآية.

والمعنى: أن ما قطعوا من النخل أريد به مصلحة إلجاء العدوّ إلى الاستسلام وإلقاء الرعب في قلوبهم وإذلالِهم بأن يروا أكرم أموالهم عرضة للإِتلاف بأيدي المسلمين، وأن ما أبقي لم يقطع في بقائه مصلحة لأنه آيل إلى المسلمين فيما أفاء الله عليهم فكان في كلا القطع والإِبقاء مصلحة فتعارض المصلحتان فكان حكم الله تخيير المسلمين. والتصرف في وجوه المصالح يكون تابعاً لاختلاف الأحوال، فجعل الله القطع والإِبقاء كليهما بإذنه، أي مرضياً عنده، فأطلق الإِذن على الرضى على سبيل الكناية، أو أطلق إذن الله على إذن رسوله صلى الله عليه وسلم إن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بذلك ابتداء، ثم أمر بالكف عنه.

وكلام الأيمة غير واضح في إذن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ابتداء وأظهر أقوالهم قول مجاهد: إن القطع والامتناع منه كان اختلافاً بين المسلمين، وأن الآية نزلت بتصديق من نهي عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإِثم...

واللِّينة: النخلة ذات الثمر الطيّب تُطلق اسم اللينة على كل نخلة غيرِ العجوةِ والبرنيِّ في قول جمهور أهل المدينة وأيمة اللغة. وتمر اللِّينة يسمى اللَّوْن.

وإيثار {لينة} على نخلة لأنه أخف ولذلك لم يرد لفظ نخلة مفرداً في القرآن، وإنما ورد النخل اسم جمع.

قال أهل اللغة: ياء لينة أصلها واوٌ انقلبت ياء لوقوعها إثر كسرة ولم يذكروا سبب كسر أوله ويقال: لِونة وهو ظاهر...

وجيء بالحال في قوله: {قائمة على أصولها} لتصوير هيئتها وحسنها. وفيه إيماء إلى أن ترك القطع أولى. وضمير {أصولها} عائد إلى {ما} الموصولة في قوله تعالى: {ما قطعتم} لأن مدلول {ما} هنا جمع وليس عائداً إلى {لينة} لأن اللّينة ليس لها عدة أصول بل لكل ليّنة أصل واحد.

وتعلق {على أصولها} ب {قائمة}. والمقصود: زيادة تصوير حسنها. والأصول: القواعد. والمراد هنا: سوق النخل قال تعالى: {أصلها ثابت وفرعها في السماء} [إبراهيم: 24]. ووصفها بأنها {قائمة على أصولها} هو بتقدير: قائمة فروعها على أصولها لظهور أن أصل النخلة بعضها.

والفاء من قوله: {فبإذن الله} مزيدة في خبر المبتدأ لأنه اسم موصول، واسم الموصول يعامل معاملة الشرط كثيراً إذا ضُمن معنى التسبب، وقد قرئ بالفاء وبدونها قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم} في سورة [الشورى: 30].

وعطف {وليخزي الفاسقين} من عطف العلة على السبب وهو {فبإذن الله} لأن السبب في معنى العلة، ونظيره قوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين} الآية في [آل عمران: 166].

والمعنى: فقطعُ ما قطعتم من النخل وترك ما تركتم لأن الله أذن للمسلمين به لصلاح لهم فيه، {وليخزي الفاسقين}، أي ليهين بني النضير فيروا كرائم أموالهم بعضها مخضود وبعضها بأيدي أعدائهم. فذلك عزة للمؤمنين وخزي للكافرين والمراد ب {الفاسقين} هنا: يهود النضير.

وعُدل عن الإتيان بضميرهم كما أتي بضمائرهم من قبل ومن بعد إلى التعبير عنهم بوصف {الفاسقين} لأن الوصف المشتق يؤذن بسبب ما اشتق منه في ثبوت الحكم، أي ليجزيهم لأجل الفسق.

والفسق: الكفر.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل كان استثناء من الأحكام الإسلامية الأوّلية التي تنهي عن قطع الأشجار وقتل الحيوانات وتدمير وحرق المزارع.. والعمل أعلاه كان مرتبطاً بمورد معيّن حيث أريد إخراج العدو من القلعة وجرّه إلى موقع أنسب للقتال وما إلى ذلك وعادةً توجد استثناءات جزئيّة في كلّ قانون.