في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

49

وبعد الإنذار والتهديد يعود السياق إلى استثناء بعض المحارم الذين لا حرج على نساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في أن يظهرن عليهم :

( لا جناح عليهن في آبائهن ، ولا أبنائهن ، ولا إخوانهن ، ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ، ولا نسائهن ، ولا ما ملكت أيمانهن . واتقين الله . إن الله كان على كل شيء شهيدا ) . .

وهؤلاء المحارم هم الذين أبيح لنساء المسلمين عامة أن يظهرن عليهم . . ولم أستطع أن أتحقق أي الآيات كان أسبق في النزول ؛ الآية الخاصة بنساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] هنا ، أم الآية العامة لنساء المسلمين جميعا في سورة النور . والأرجح أن الأمر كان خاصا بنساء النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ثم عمم . فذلك هو الأقرب إلى طبيعة التكليف . و لا يفوتنا أن نلحظ هذا التوجيه إلى تقوى الله ، والإشارة إلى اطلاعه على كل شيء : ( واتقين الله ، إن الله كان على كل شيء شهيدا ) . فالإيحاء بالتقوى ومراقبة الله يطرد في مثل هذه المواضع ، لأن التقوى هي الضمان الأول والأخير ، وهي الرقيب اليقظ الساهر على القلوب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

قوله تعالى : { لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } .

لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب ؟ فنزلت هذه الآية . أي لا إثم ولا حرج على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في المذكورين في الآية وهم الآباء والأبناء وأبناؤهم والنساء المؤمنات وما ملكت أيمانهن .

واختلف العلماء في الذي نفى عنه الجناح . فقد قيل : الجلابيب أي لا حرج على الناس أن يضعن جلابيبهن عند هؤلاء المذكورين في الآية .

وقيل : الاحتجاب ، فقد رخَّص لهن أن لا يحتجبن ، وهذا هو الأولى بالصواب ؛ لأن هذه الآية عقيب آية الحجاب ؛ فيكون المعنى لا إثم على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين في إذنهن للمذكورين في الآية وترك الحجاب عندهم .

أما لِمَ لَمْ يذكر في الآية العم والخال ، فسببه أنهما يقومان مقام الأبوين وقد جاءت تسمية العم أبا ؛ إذْ قال الله سبحانه : { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } وعلوم أن إسماعيل عم يعقوب . وقيل : كره الاحتجاب عنهما ؛ لأنهما يصفانها لأبنائهما ، وأبناؤهما غير محارم .

قوله : { وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } بعد أن رخّص الله للنساء في رفع الحجاب عند الرجال المحارم أمرهن بالتقوى ليخفن الله فلا يتجاوزن ما حدّه لهن ، ولا يتركن الاحتجاب عن الأجانب من الرجال ، وعليهن أن يطعن الله ، ويلتزمن أوامره وشرعه ؛ فإنه سبحانه رقيب شهيد مطلع على السر والعلن ولا تخفى عليه الخوافي{[3770]}


[3770]:أحكام القرآن لابن العربي ج 3 ص 1569 والكشاف ج 3 ص 72 وتفسير الطبري ج 22 ص 30