والله - سبحانه - يرشد رسوله [ ص ] ومن معه من القلة المؤمنة إلى زاد الطريق :
( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) . .
ولقد علم الله أن هذا هو الزاد الذي يبقى حين يفنى كل زاد ، والذي يقيم البنية الروحية ، ويمسك القلوب على الحق الشاق التكاليف . ذلك أنه يصل هذه القلوب بربها الرحيم الودود ، القريب المجيب ، وينسم عليها نسمة الأنس في وحشتها وعزلتها في تلك الجاهلية النكدة الكنود !
والآية هنا تذكر طرفي النهار - وهما أوله وآخره ، وزلفا من الليل أي قريبا من الليل . وهذه تشمل أوقات الصلاة المفروضة دون تحديد عددها . والعدد محدد بالسنة ومواقيته كذلك .
والنص يعقب على الأمر بإقامة الصلاة - أي أدائها كاملة مستوفاة - بأن الحسنات يذهبن السيئات . وهو نص عام يشمل كل حسنة ، والصلاة من أعظم الحسنات ، فهي داخلة فيه بالأولوية . لا أن الصلاة هي الحسنة التي تذهب السيئة بهذا التحديد - كما ذهب بعض المفسرين - :
وقوله تعالى : { أقم الصلاة } الآية ، لم يختلف أحد في أن { الصلاة } في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة ، واختلف في { طرفي النهار } وزلف الليل فقيل : الطرف الأول الصبح ، والثاني الظهر والعصر ، والزلف : المغرب والعشاء ، قاله مجاهد ومحمد بن كعب القرظي وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المغرب والعشاء :«هما زلفتا الليل »{[6528]} وقيل : الطرف الأول : الصبح ، والثاني : العصر ، قاله الحسن وقتادة والضحاك ، والزلف : المغرب والعشاء ، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول - بل هي في غيرها ، وقيل الطرفان : الصبح والمغرب - قاله ابن عباس والحسن - أيضاً - والزلف : العشاء ، وليست في الآية الظهر والعصر . وقيل : الطرفان : الظهر والعصر ، والزلف : المغرب والعشاء والصبح .
قال القاضي أبو محمد : كأن هذا القائل راعى جهر القراءة ، والأول أحسن هذه الأقوال عندي ورجح الطبري أن الطرفين : الصبح والمغرب ، وأنه الظاهر ، إلا أن عموم الصلوات الخمس بالآية أولى .
وقرأ الجمهور «زلَفاً » بفتح اللام ، وقرأ طلحة بن مصرف وابن محيصن وعيسى وابن إسحاق وأبو جعفر «زلُفاً » بضم اللام كأنه اسم مفرد . وقرأ «زلْفاً » بسكون اللام مجاهد ، وقرأ أيضاً : «زلفى » على وزن - فعلى - وهي قراءة ابن محيصن . والزلف : الساعات القريب بعضها من بعض . ومنه قول العجاج : [ الرجز ]
سماوة الهلال حتى احقوقفا{[6529]}***
وقوله { إن الحسنات يذهبن السيئات } ، ذهب جمهور المتأولين من صحابة وتابعين إلى أن { الحسنات } يراد بها الصلوات الخمس - وإلى هذه الآية ذهب عثمان - رضي الله عنه - عند وضوئه على المقاعد{[6530]} وهو تأويل مالك ، وقال مجاهد : { الحسنات } : قول الرجل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله إنما هو على جهة المثال في الحسنات ، ومن أجل أن الصلوات الخمس هي أعظم الأعمال ، والذي يظهر أن لفظ الآية لفظ عام في الحسنات خاص في السيئات بقوله عليه السلام : «ما اجتنبت الكبائر » .
وروي أن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار ، قيل : هو أبو اليسر بن عمرو ، وقيل : اسمه عباد ، خلا بامرأة فقبلها وتلذّذ بها فيما دون الجماع ، ثم جاء إلى عمر فشكا إليه ، فقال : قد ستر الله عليك فاستر على نفسك ، فقلق الرجل فجاء أبا بكر فشكا إليه ، فقال له مثل مقالة عمر ، فقلق الرجل فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى معه ، ثم أخبره وقال : اقض فيَّ ما شئت ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلها زوجة غاز في سبيل الله ، قال : نعم ، فوبخه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ما أدري ، فنزلت هذه الآية ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلاها عليه : فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله خاصة ؟ قال : بل للناس عامة{[6531]} . وروي أن الآية كانت نزلت قبل ذلك واستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الرجل وروي أن عمر قال ما حكي عن معاذ .
قال القاضي أبو محمد : وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الجمعة إلى الجمعة ، والصلوات الخمس ، ورمضان إلى رمضان - كفارة لما بينها إن اجتنبت الكبائر »{[6532]} فاختلف أهل السنة في تأويل هذا الشرط في قوله : «إن اجتنبت الكبائر » ، فقال جمهورهم : هو شرط في معنى الوعد كله ، أي إن اجتنبت الكبائر كانت العبادات المذكورة كفارة للذنوب ، فإن لم تجتنب لم تكفر العبادات شيئاً من الصغائر . وقالت فرقة : معنى قوله إن اجتنبت : أي هي التي لا تحطها العبادات ، فإنما شرط ذلك ليصح بشرطه عموم قوله : ما بينهما ، وإن لم تحطها العبادات وحطت الصغائر .
قال القاضي أبو محمد : وبهذا أقول وهو الذي يقتضيه حديث خروج الخطايا مع قطر الماء وغيره{[6533]} ؛ وذلك كله بشرط التوبة من تلك الصغائر وعدم الإصرار عليها ، وهذا نص الحذاق الأصوليين . وعلى التأويل الأول تجيء هذه مخصوصة في مجتنبي الكبائر فقط .
وقوله ذلك إشارة إلى الصلوات ، ووصفها ب { ذكرى } ، أي هي سبب ذكر وموضع ذكرى ، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الإخبار ب { إن الحسنات يذهبن السيئات } ، فتكون هذه الذكرى تحض على الحسنات ، ويحتمل أن تكن الإشارة إلى جميع ما تقدم من الأوامر والنواهي في هذه السورة ، وهو تفسير الطبري .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.