إن هذا المال ، ولو أنه مال اليتامى ، إلا أنه - قبل هذا - مال الجماعة ، أعطاها الله إياه لتقوم به ؛ وهي متكافلة في الانتفاع بهذا المال على أحسن الوجوه . فالجماعة هي المالكة ابتداء للمال العام ، واليتامى أو مورثوهم إنما يملكون هذا المال لاستثماره - بإذن من الجماعة - ويظلون ينتفعون به وينفعون الجماعة معهم ، ما داموا قادرين على تكثيره وتثميره ؛ راشدين في تصريفه وتدبيره - والملكية الفردية بحقوقها وقيودها قائمة في هذا الإطار - أما السفهاء من اليتامى ذوي المال ، الذين لا يحسنون تدبير المال وتثميره ، فلا يسلم لهم ، ولا يحق لهم التصرف فيه والقيام عليه - وإن بقيت لهم ملكيتهم الفردية فيه لا تنزع منهم - إنما يعود التصرف في مال الجماعة إلى من يحسن التصرف فيه من الجماعة . مع مراعاة درجة القرابة لليتميم ، تحقيقا للتكافل العائلي ، الذي هو قاعدة التكافل العام بين الأسرة الكبرى ! وللسفيه حق الرزق والكسوة في ماله مع حسن معاملته :
( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ، وارزقوهم فيها واكسوهم ، وقولوا لهم قولا معروفا ) . .
وقوله { ولا تؤتوا السفهاء } الآية ، اختلف المتأولون في المراد ب { السفهاء } ، فقال ابن مسعود والسدي والضحاك والحسن وغيرهم : نزلت في ولد الرجل الصغار وامرأته ، وقال سعيد بن جبير : نزلت في المحجورين «السفهاء » وقال مجاهد : نزلت في النساء خاصة ، وروي عن عبد الله بن عمر أنه مرت به امرأة لها شارة فقال لها { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } الآية ، وقال أبو موسى الأشعري والطبري وغيرهما : نزلت في كل من اقتضى الصفة التي شرط الله من السفه كان من كان ، وقول من خصها بالنساء يضعف من جهة الجمع ، فإن العرب إنما تجمع فعيلة على فعائل أو فعيلات ، وقوله { أموالكم } يريد أموال المخاطبين ، هذا قول أبي موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة ، وقال سعيد بن جبير : يريد أموال «السفهاء » ، وأضافها إلى المخاطبين تغبيطاً بالأموال ، أي هي لهم إذا احتاجوا ، كأموالكم لكم التي تقي أعراضكم ، وتصونكم وتعظم أقدراكم ، ومن مثل هذ{ ولا تقتلوا أنفسكم }{[3856]} وما جرى مجراه ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والنخعي و «اللاتي » والأموال : جمع لما لا يعقل ، فالأصوب فيه قراءة الجماعة ، و { قيماً } جمع قيمة كديمة وديم ، وخطأ ذلك أبو علي وقال : هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم ، ولكن شذت في الرد إلى الياء كما شذ قولهم : جياد في جميع جواد ، وكما قالت بنو ضبة : طويل وطيال ، ونحو هذا ، وقوماً وقواماً وقياماً ، معناها : ثباتاً في صلاح الحال ، ودواماً في ذلك ، وقرأ نافع وابن عامر { قيماً } بغير ألف ، وروي أن أبا عمرو فتح القاف من قوله : قواماً ، وقياماً - كان أصله قواماً ، فردت كسرة القاف الواو ياء للتناسب ، ذكرها ابن مجاهد ولم ينسبها ، وهي قراءة أبي عمرو والحسن ، وقرأ الباقون { قياماً } وقرأت طائفة «قواماً » وقوله : { وارزقوهم فيها واكسوهم } قيل : معناه : فيمن يلزم الرجل نفقته وكسوته من زوجه وبنيه الأصاغر ، وقيل : في المحجورين من أموالهم ، و { معروفاً } قيل : معناه : ادعوا لهم : بارك الله فيكم وحاطكم وصنع لكم ، وقيل : معناه عدوهم وعداً حسناً ، أي إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم ، ومعنى اللفظ كل كلام تعرفه النفوس وتأنس إليه ويقتضيه الشرع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.