في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ} (24)

17

وقد أمر الله موسى - عليه السلام - أن يمر هو وقومه وأن يدع البحر وراءه ساكناً على هيئته التي مر هو وقومه فيها ، لإغراء فرعون وجنده باتباعهم ، ليتم قدر الله بهم كما أراده : ( إنهم جند مغرقون ) . . فهكذا ينفذ قدر الله من خلال الأسباب الظاهرة . والأسباب ذاتها طرف من هذا القدر المحتوم .

ويختصر السياق حكاية مشهد الغرق أو عرضه ، اكتفاء بالكلمة النافذة التي لا بد أن تكون : ( إنهم جند مغرقون ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ} (24)

واختلف المفسرون في قوله تعالى : { واترك البحر رهواً } . متى قالها لموسى ؟ فقالت فرقة : هو كلام متصل { إنكم متبعون واترك البحر } إذا انفرق لك { رهواً } وقال قتادة وغيره : خوطب به بعد ما اجتاز البحر وخشي أن يدخل فرعون وقومه وراءه ، وأن يخرجوا من المسالك التي خرج منها بنو إسرائيل ، فهم موسى أن يضرب البحر عسى أن يلتئم ويرجع إلى حاله ، فقيل له عند ذلك : { واترك البحر رهواً } .

واختلفت عبارة المفسرين في تفسير الرهو ، فقال مجاهد وعكرمة معناه : يبساً من قوله تعالى : { فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً }{[10228]} [ طه : 77 ] . وقال الضحاك بن مزاحم معناه : دمثاً ليناً .

وقال عكرمة أيضاً : جدداً{[10229]} . وقال ابن زيد : سهلاً . وقال ابن عباس معناه : ساكناً ، أي كما جزته ، وهذا القول الأخير هو الذي تؤيده اللغة ، فإن العيش الواهي هو الذي هو في خفض ودعة وسكون ، حكاه المبرد وغيره . والرهو في اللغة هو هذا المعنى ، ومنه قول عمرو بن شييم القطامي :

يمشون رهواً فلا الأعجاز خاذلة . . . ولا الصدور على الأعجاز تتكل{[10230]}

فإنما معناه : يمشون اتئاداً وسكوناً وتماهلاً . ومنه قول الآخر :

أو وأمة خرجت رهواً إلى عيد . . . {[10231]}

أي خرجوا في سكون وتماهل ، فقيل لموسى عليه السلام : اترك البحر ساكناً على حاله من الانفراق ليقضي الله أمراً كان مفعولاً . والرهو : من أسماء الكركي الطائر{[10232]} ، ولا مدخل له في تفسير هذه الآية ، ويشبه عندي أن سمي رهواً لسكونه ، وأنه أبداً على تماهل .


[10228]:من الآية(77) من سورة (طه)
[10229]:الجُدد: جمع جدة، وهي جزء الشيء يخالف لونه لون سائره، وهذا ينطبق على كل فِرق انفلق عنه البحر بعد أن ضربه موسى بعصاه.
[10230]:هذا بيت من قصيدة للقطامي اختارها صاحب الجمهرة، ومطلعها يقول: إنا محيوك فاسلم أيها الطلل وإن بليت وإن طالت بك الطول والبيت المختار هنا في وصف الإبل التي أضناها السفر الطويل، والرهو: السير السهل المتأني، والأعجاز: جمع عجز، وهو مؤخر الناقة، ولاصدور: جمع صدر، وهو مقدم الشيء، والمراد هنا صدر الناقة، وخاذلة: غير مساعدة، والبيت في اللسان(رها)، وقد نقل عن أبي عبيد أن الرهو هو السير الخفيف، وعن الجوهري أنه السير السهل، وقال أيضا: هو مشي في سكون.
[10231]:هذا عجز بيت لم يعرف قائله، وقد استشهد به وببيت قبله الفراء في (معاني القرآن)، قال: وأنشدني أبو ثروان: كأنما أهل حُجر ينظرون متى يرونني خارجا طير يناديد طير رأت بازيا نضح الدماء به أو أمة خرجت رهوا إلى عيد واستشهد بهما الطبري أيضا في تفسير هذه الآية، لكن الرواية فيه:(وأمه خرجت)، وهو تحريف، ولعل بعضهم ظن اللفظ يراد به أم البازي، ولكن الشاعر هنا يشبه أهل حُجر حين وقفوا ينتظرون خروجه بالطير المتفرقة التي رأت صقرا قد تناثرت الدماء عليه من كثرة ضحاياه، ويشبههم أيضا بالجماعة من الناس التي خرجت في سهولة ورفق إلى عادتها، والبيت الأول في اللسان، ذكره شاهدا على معنى" يناديد"، قال: "وطير يناديد وأناديد: متفرقة، قال: كأنما أهل حجر...البيت"، وقد ضبط حُجرا بضم الحاء، قال الحموي:في (معجم البلدان):"وحُجر بالضم قرية باليمن من مخاليف بدر..." والطير اليناديد: المتفرقة، والبازي: نوع من الصقور، ونضح الدماء به: آثار الدماء تناثرت عليه، ويروى بالخاء المعجمة، والنضخ: الأثر، ومن معاني العيد أنه عادة الإنسان، أو ما يعتاده من هم وحزن، فهو يقول: إنها خرجت إلى عادتها أو إلى أمر يهمها ويحرزنها، هذا وفي البيتين إقواء كما ترى.
[10232]:الرهو: طائر معروف يقال له الكركي، وقيل: هو من طير الماء يشبهه وليس به، وقال ابن بري: هو طائر غير الكركي، وقيل: هو من طير الماء يشبهه وليس به، وقال ابن بري: هو طائر غير الكركي.(راجع لسان العرب).