في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

( بل عجبت ويسخرون . وإذا ذكروا لا يذكرون . وإذا رأوا آية يستسخرون ) . .

وحق لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يعجب من أمرهم . فإن المؤمن الذي يرى الله في قلبه كما يراه محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ويرى آيات الله واضحة هذا الوضوح ، كثيرة هذه الكثرة ، يعجب - لا شك - ويدهش كيف يمكن أن تعمى عنها القلوب ? وكيف يمكن أن تقف منها هذا الموقف العجيب !

وبينما رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعجب منهم هذا العجب ، إذا هم يسخرون من القضية الواضحة التي يعرضها عليهم ، سواء في وحدانية الله ، أو في شأن البعث والنشور .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

قوله تعالى{ بل عجبت ويسخرون } اختلفت القراء في قراءة ذلك فقرأته عامة قراء الكوفة{ بل عجبت ويسخرون }بضم التاء من عجبت ، بمعنى : بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا . وقرأ ذلك عامة قراء البصرة وبعض قراء الكوفة { بل عجبت } بفتح التاء بمعنى : بل عجبت أنت يا محمد ، ويسخرون من هذا القرآن . إذن فهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيهما قرأ القارئ فهو مصيب . وقال قتادة في هذه الآية{ بل عجبت ويسخرون }عجب محمد عليه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أعطيه وسخر منه أهل الضلالة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بَلۡ عَجِبۡتَ وَيَسۡخَرُونَ} (12)

ولما كان من المعلوم قطعاً أن المراد بهذا الأمر بالاستفتاء إنما هو التبكيت لأن من المعلوم قطعاً أن الجواب : ليسوا أشد خلقاً من ذلك ، فليس بعثهم ممتنعاً ، وليست غلبتهم لرسول الواحد القهار - الذي حكمه في هذا الوحي بإظهاره على الدين كله - بجائزة أصلاً ، نقلاً ولا عقلاً ، بوجه من الوجوه ، فلا شبهة لهم في إنكاره ولا في ظنهم أنهم يغلبون رسولنا ، بل هم في محل عجب شديد في إنكاره وظنهم أنهم غالبون في الدنيا ، عبر عن ذلك بقوله ، مسنداً العجب إلى أجلّ الموجودات أو أجلّ المخلوقات تعظيماً له بمعنى أنه قول يستحق أن يقال فيه : أنه لا يدري ما الذي أوقع فيه وكان سبباً لارتكابه ، فقال : { بل عجبت } بضم التاء على قراءة حمزة والكسائي لفتاً للقول من مظهر العظمة للتصريح بإسناد التعجب إليه سبحانه إشارة إلى تناهي هذا العجب إلى حد لا يوصف لإسناده إلى من هو منزه عنه ، وبفتحها عند الباقين أي من جرأتهم في إنكارهم البعث ولا سيما وقد دل عليه القرآن في هذه الأساليب الغريبة والوجوه البديعة العجيبة التي لا يشك فيها من له أدنى تصور ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ظن كما هو اللائق أنه لا يسمع القرآن أحد إلا آمن به ، قال القشيري : وحقيقة التعجب تغير النفس بما خفي فيه السبب مما لم تجر العادة بحدوث مثله ، ومثل هذا حديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سليم وأبي طلحة رضي الله عنهما :

" ضحك - وفي رواية : عجب - الله من فعالكما الليلة " ، وحديث البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً : " عجب ربنا من أقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل " ومثله كثير ، والمعنى في الكل التنبيه على عظم الفعل وأنه خارق للعادة ، ويجوز أن يكون المعنى أنهم لم ينكروه لقلة الدلائل عليه ، بل قد أتى من دلائله ما يعجب إعجاباً عظيماً من كثرته وطول الأناة في مواترته { ويسخرون * } أي حصل لك العجب والحال أنهم يجددون السخرية كلما جئتهم بحجة