" والشفع والوتر " . . يطلقان روح الصلاة والعبادة في ذلك الجو المأنوس الحبيب . جو الفجر والليالي العشر . . " ومن الصلاة الشفع والوتر " [ كما جاء في حديث أخرجه الترمذي ] وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو . حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة ، بروح الوجود الساجية ! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة ، وروح الفجر الوضيئة .
{ والشفع والوتر } قرأ حمزة ، والكسائي : { الوتر } بكسر الواو ، وقرأ الآخرون بفتحها ، واختلفوا في الشفع والوتر . قيل : الشفع : الخلق ، قال الله تعالى : { وخلقناكم أزواجاً } والوتر : هو الله عز وجل . روي ذلك عن أبي سعيد الخدري ، وهو قول عطية العوفي . وقال مجاهد ومسروق : الشفع كله ، كما قال الله تعالى : { ومن كل شيء خلقنا زوجين }( الذاريات- 49 ) ، الكفر والإيمان ، والهدى والضلالة ، والسعادة والشقاوة ، والليل والنهار ، والسماء والأرض ، والبر والبحر ، والشمس والقمر ، والجن والإنس ، والوتر هو الله عز وجل ، قال الله تعالى : { قل هو الله أحد }( الإخلاص- 2 ) . قال الحسن وابن زيد : الشفع والوتر : الخلق كله ، منه شفع ، ومنه وتر . وروى قتادة عن الحسن قال : هو العدد منه شفع ومنه وتر . وقال قتادة : هما الصلوات منها شفع ومنها وتر . وروى ذلك عن عمران بن حصين مرفوعاً ، وروى عطية عن ابن عباس : الشفع صلاة الغداة ، والوتر صلاة المغرب . وعن عبد الله ابن الزبير قال : الشفع : يوم الأول ، والوتر : يوم النفر الأخير . روي أن رجلاً سأله عن الشفع والوتر والليالي العشر ؟ فقال : أما الشفع والوتر : فقول الله عز وجل : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } ( البقرة- 203 ) فهما الشفع والوتر ، وأما الليالي العشر : فالثمان وعرفة والنحر . وقال مقاتل بن حيان : الشفع : الأيام والليالي ، والوتر : اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة . وقال الحسين بن الفضل : الشفع : درجات الجنة لأنها ثمان ، والوتر دركات النار لأنها سبع ، كأنه أقسم بالجنة والنار . وسئل أبو بكر الوراق عن الشفع والوتر فقال : الشفع : تضاد أوصاف المخلوقين من العز والذل ، والقدرة والعجز ، والقوة والضعف ، والعلم والجهل ، والبصر والعمى ، والوتر : انفراد صفات الله عز بلا ذل ، وقدرة بلا عجز ، وقوة بلا ضعف ، وعلم بلا جهل ، وحياة بلا ممات .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "وَالشّفْعِ والْوَتْرِ وَاللّيْلِ إذَا يَسْرِ هَلْ فِي ذلكَ قَسَمٌ" اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي به من الوتر بقوله : "والْوَتْرِ"؛
فقال بعضهم : الشفع : يوم النحر ، والوتر : يوم عرفة ...
وقال آخرون : الشفع : اليومان بعد يوم النحر ، "والوَتر" : اليوم الثالث ... قال ابن زيد ، في قوله : "والشّفْعِ والْوَتْرِ" قال : الشفع : يومان بعد يوم النحر ، والوتر : يوم النّفْر الآخِر ، يقول الله : "فَمَنْ تَعَجّلَ فِي يَوْمَينِ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تأَخّرَ فَلا إثْمَ عَلَيْهِ" .
وقال آخرون : الشفع : الخلق كله ، والوتر : الله ...
عن مجاهد "وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ" قال : كلّ خلق الله شفع ، السماء والأرض ، والبرّ والبحر ، والجنّ والإنس ، والشمس والقمر ، والله الوَتر وحده ...
وقال آخرون : عُنِي بذلك الخلق ، وذلك أن الخلق كله شفع ووتر ...
وقال آخرون : بل ذلك : الصلاة المكتوبة ، منها الشفع كصلاة الفجر والظهر ، ومنها الوتر كصلاة المغرب ...
والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر ، ولم يخصص نوعا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر ولا عقل ، وكلّ شفع ووتر فهو مما أقسم به ، مما قال أهل التأويل إنه داخل في قسمه هذا ، لعموم قسمه بذلك .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
وروى أحمد والبزار برجال الصحيح عن عياش بن عقبة وهو ثقة عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العشر عشر الأضحى ، والشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة " .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
" ومن الصلاة الشفع والوتر " [ كما جاء في حديث أخرجه الترمذي ] وهذا المعنى هو أنسب المعاني في هذا الجو . حيث تلتقي روح العبادة الخاشعة ، بروح الوجود الساجية ! وحيث تتجاوب الأرواح العابدة مع أرواح الليالي المختارة ، وروح الفجر الوضيئة . ...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
...والواقع أن أقرب الأقوال عندي والله أعلم : أنه هو الأول [ الوتر هو الله ] لأنه ثبت علمياً أنه لا يوجد كائن موجود بمعنى الوتر قط حتى الحصاة الصغيرة . .. ...فلم يبق في الكون شيء قط فرداً وتراً بذاته ، إلا ما نص عليه الحديث " إن الله وتر يحب الوتر " ويمكن حمل الحديث على معنى الوتر فيه مستغني بذاته عن غيره ، والواحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله . ... .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ الألف واللام في «الشفع والوتر » إن كانا للتعميم ، فكلّ المعاني تجتمع فيهما ، وكلّ معنى سيكون مصداقا من مصاديق «الشفع » و«الوتر » ، ولا داعي والحال هذه إلى حصر التّفسير بإحدى المعاني المذكورة ، بل كلّ منها تطبيق على مصداق بارز . أمّا إذا كانا للتعريف ، فستكون إشارتهما إلى زوج وفرد خاصين ، وفي هذه الحال سيكون تفسيران من التّفاسير المذكورة أكثر من غيرهما مناسبة وقرباً مع مراد الآية ، وهما : الأوّل : المراد بهما يومي العيد وعرفة ، وهذا ما يناسب ذكر الليالي العشر الاُولى من شهر ذي الحجّة ، وفيهما تؤدى أهم فقرات مناسك الحج . الثّاني : أنّهما يشيران إلى «الصلاة » ، بقرينة ذكر «الفجر » ، وهو وقت السحر ووقت الدعاء والتضرع إلى اللّه عزّ وجلّ . ...
الشفع : الاثنان ، والوتر : الفرد . واختلف في ذلك ، فروي مرفوعا عن عمران بن الحصين عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( الشفع والوتر : الصلاة ، منها شفع ، ومنها وتر ) . وقال جابر بن عبد اللّه : قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( " والفجر وليال عشر " - قال : هو الصبح ، وعشر النحر ، والوتر يوم عرفة ، والشفع : يوم النحر ) . وهو قول ابن عباس وعكرمة . واختاره النحاس ، وقال : حديث أبي الزبير عن جابر هو الذي صح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهو أصح إسنادا من حديث عمران بن حصين . فيوم عرفة وتر ؛ لأنه تاسعها ، ويوم النحر شفع لأنه عاشرها . وعن أبي أيوب قال : سئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن قوله تعالى : " والشفع والوتر " فقال : ( الشفع : يوم عرفة ويوم النحر ، والوتر ليلة يوم النحر ) . وقال مجاهد وابن عباس أيضا : الشفع خَلْقُهُ ، قال اللّه تعالى : " وخلقناكم أزواجا{[16026]} " [ النبأ : 8 ] والوتر هو اللّه عز وجل . فقيل لمجاهد : أترويه عن أحد ؟ قال : نعم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم . ونحوه قال محمد بن سيرين ومسروق وأبو صالح وقتادة ، قالوا : الشفع : الخلق ، قال اللّه تعالى : " ومن كل شيء خلقنا زوجين{[16027]} " [ الذاريات : 49 ] : الكفر والإيمان . ، والشقاوة والسعادة ، والهدى والضلال ، والنور والظلمة ، والليل والنهار ، والحر والبرد ، والشمس والقمر ، والصيف والشتاء ، والسماء والأرض ، والجن والإنس . والوتر : هو اللّه عز وجل ، قال جل ثناؤه : " قل هو الله أحد . الله الصمد " [ الإخلاص : 2 ] . وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : [ إن لله تسعة وتسعين اسما ، واللّه وتر يحب الوتر ] . وعن ابن عباس أيضا : الشفع : صلاة الصبح " والوتر : صلاة المغرب . وقال الربيع بن أنس وأبو العالية : هي صلاة المغرب ، الشفع فيها ركعتان ، والوتر الثالثة . وقال ابن الزبير : الشفع : يوما منى : الحادي عشر ، والثاني عشر . والثالث عشر الوتر . قال اللّه تعالى : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه{[16028]} " . وقال الضحاك : الشفع : عشر ذي الحجة ، والوتر : أيام منى الثلاثة . وهو قول عطاء . وقيل : إن الشفع والوتر : آدم وحواء ؛ لأن آدم كان فردا فشفع بزوجته حواء ، فصار شفعا بعد وتر . رواه ابن أبي نجيح ، وحكاه القشيري عن ابن عباس . وفي رواية : الشفع : آدم وحواء ، والوتر هو اللّه تعالى . وقيل : الشفع والوتر : الخلق ؛ لأنهم شفع ووتر ، فكأنه أقسم بالخلق . وقد يقسم اللّه تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه ، ويقسم بأفعاله لقدرته ، كما قال تعالى : " وما خلق الذكر والأنثى{[16029]} " [ الليل : 3 ] . ويقسم بمفعولاته ، لعجائب صنعه ، كما قال : " والشمس وضحاها " ، " والسماء وما بناها " [ الشمس : 5 ] ، " والسماء والطارق " [ الطارق : 1 ] . وقيل : الشفع : درجات الجنة ، وهي ثمان . والوتر ، دركات النار ؛ لأنها سبعة . وهذا قول الحسين بن الفضل ، كأنه أقسم بالجنة والنار . وقيل : الشفع : الصفا والمروة ، والوتر : الكعبة . وقال مقاتل بن حيان : الشفع : الأيام والليالي ، والوتر : اليوم الذي لا ليلة بعده ، وهو يوم القيامة . وقال سفيان بن عيينة : الوتر : هو اللّه ، وهو الشفع أيضا ؛ لقوله تعالى : " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " {[16030]} [ المجادلة : 7 ] . وقال أبو بكر الوراق : الشفع : تضاد أوصاف المخلوقين : العز والذل ، والقدرة والعجز ، والقوة والضعف ، والعلم والجهل ، والحياة والموت ، والبصر والعمى ، والسمع والصمم ، والكلام والخرس . والوتر : انفراد صفات اللّه تعالى : عز بلا ذل ، وقدرة بلا عجز ، وقوة بلا ضعف ، وعلم بلا جهل ، وحياة بلا موت ، وبصر بلا عمى ، وكلام بلا خرس ، وسمع بلا صمم ، وما وازاها . وقال الحسن : المراد بالشفع والوتر : العدد كله ؛ لأن العدد لا يخلو عنهما ، وهو إقسام بالحساب . وقيل : الشفع : مسجدي مكة والمدينة ، وهما الحرمان . والوتر : مسجد بيت المقدس . وقيل : الشفع : القرن بين الحج والعمرة ، أو التمتع بالعمرة إلى الحج . والوتر : الإفراد فيه . وقيل : الشفع : الحيوان ؛ لأنه ذكر وأنثى . والوتر : الجماد . وقيل : الشفع : ما ينمي ، والوتر : ما لا ينمي . وقيل غير هذا . وقرأ ابن مسعود وأصحابه والكسائي وحمزة وخلف " والوتر " بكسر الواو . والباقون [ بفتح الواو ] ، وهما لغتان بمعنى واحد . وفي الصحاح : الوتر بالكسر : الفرد ، والوتر [ بفتح الواو ] : الذحل{[16031]} . هذه لغة أهل العالية . فأما لغة أهل الحجاز فبالضد منهم . فأما تميم فبالكسر فيهما .